أكتب هذه الكلمة – وهو رَهِينُ سريره في المَشْفَى – أرجو له فيها – ككثيرين غيري من محبّيه ، وعارفي فضله ، والمعجبين بقلمه وشخصه – الشّفاءَ العاجلَ ممّا ألمّ به من متاعب المرض ، وألمَّ بنا معه من لواعج الحُزن . وأن يكلأه الله بعنايته ورعايته ، ليعود إلى بلده وذويه سليمًا معافى ، وإلى الكتابة التي عشقها ، والكتاب الذي نَذَرَ نفسه من أجله ، موفورًا بالتّقدير ، حفيلا بالتّميّز والتّصدّر . وهي مشاركةٌ مخلصةٌ وصادقةٌ في تكريم رجلٍ يعطي في سخاءٍ وصمتٍ ، ويبذل في حكمةٍ واتّزانٍ ، ويعمل بتفكير نيِّرٍ ، ورأيٍ حصيفٍ ، وسعة اطّلاع . ويشهد له كلُّ من يعرفه بقوَّة شخصيّته ، وشموخه ، وأنّه مثالٌ رفيع في صفاء النّفس ، وسموّ الخلق ، والتّواضع ، وفي مهادنته ومسالمته ، في غير ضعفٍ ولا تخاذل . وفي صبره وجَلَده النّادرين على المكاره ، وفي حِلمه العجيب ، والحِلمُ ثمرةٌ من ثمار الإيمان ، ودليلٌ من أدلّة قوّة الشّخصيّة فيه . ويشهدون له –كذلك- بزمالةٍ نبيلة راقيةٍ . أمّا أنّه رجلٌ يعطي في سخاء وحكمةٍ ، فقد عُرف – خلال هذه السّنين الطّويلة – واحدًا من الباذلين في خدمة دينهم وأمّتهم : علمًا وعملا ، رأيًا وتوجيهًا ، إدارةً وإشرافًا ، دون تهويلٍ أو تهريجٍ أو إثارةٍ. وأمّا أنّه رجلٌ يعمل بتفكيرٍ نيّرٍ ، فإنّ أعماله الجليلة في جريدتي النّدوة ، والمدينة ، والدّار السّعوديّة للنّشر ، ووكالة مكّة للإعلان ، ومَن عملوا معه ، يشهدون له بذلك . بل بآثاره البالغة فيهم . بل إنّ كثيرين منّا – اليوم – من جيلنا يدينون له بالفضل فيما اكتسبوه من صفاته وخبراته ، وعنايته بالأدب النّافع وبصحيح اللّغة . بل إنّه خلّف أثرًا ملموسًا في الصّحافة والثّقافة ، من خلال كتاباته وأعماله الرّصينة النّافعة . ولعلّ من أظهر آثاره فيهم ما يرونه من جِدّيّته في القول والعمل ، وأنّه إذا قال كان عفَّ اللّسان ، عَذْبَ الحديث ، عليمًا بما يقول ، دائم البشاشة . وأنّه إذا فَعَلَ كان فِعْلُهُ بحبٍّ وإيناس ، وبنفسٍ رضيّة ، واستقامة فكرٍ ، وإنسانيّة : لا يغلظ ، ولا يحتدّ ، ولا يغتاب . وفي خاتمة كلمتي هذه المقتضبة ، التي لا تفي ببعض حقّه ، أشكر لجريدة البلاد تكريمها إيّاه في هذا العدد ، بهذه الكلمات النّبيلة الوفيّة ، التي تنشرها فيه لكوكبةٍ من أولي الوفاء والفضل ، يعرِّفون فيها بجوانب من شخصه وفكره وعمله ، وإنزالِه منزلتَه التي يستأهلها ، ويقدّمون له بعض واجب الشّكر والعرفان بالجميل ، ويدعون الله بأن يثيبه كَفَاءَ ما عَمِلَ لمجتمعه وأمّته . إنّه تقليد إسلاميّ كريم ، ونحن أمّة تكرّم العلم والعلماء ، وتقدّر العمل والعاملين ، ونَعْرِفُ لأهل الفضل فضلَهم ، بل نُفْصِحُ لهم عن ذلك ، ونحاول أن نَفِيَهُم حقَّهم منّا ، ونحن نعلم أنّنا بذلك إنما نكرّم أنفسنا . أسبغ الله على الأستاذ محمّد صلاح الدّين لباس الصّحّة ، ومتّعه بكامل العافية ، وراحة البال . وتولاّه بعنايته ورحمته ، وجزاه عن أمّته وأهله ومحبّيه خيرَ ما يَجزي به المجاهدين في سبيله.