لا يفارقني صوته الممزوج بالرخاء والشدة كمدينته التي اجتاحتها الوحشة بعد استتاره خلف الغياب وهو يقول لي: (جداوي يا ابو حميد.. إذن موعدنا في مقهى النخيل) ذلك المقهى الغارق في هدوء البحر وصوت ضحكات الأصدقاء وأبخرة القلوب حيث كنا نجتمع حوله كطيور مهاجرة تلقي بأجسادها في بحيرة الحياة لتغسل همومها وشقتها قبل المضي. والآن ما عاد للانتظار صفة سوى الملل والحزن وكأنه كابوس يعتصر روحك ويرهق أحلامك. رحل محمد صادق دياب وترك مساحات شاسعة من الحب تحتاج لمزارع ماهر يستطيع تحريك سنابله كما كان يفعل. رحل وفي قلب كل شخص اقترب منه حزن لا يشبه ما في قلوب الآخرين ، ودموع كلما حاولنا التغلب عليها بأجفاننا تغلبنا هي بتدافع الأيام التي عبرت معه سريعا. ليتنا ما عرفناك يا رجل.. فكم أتعبت قلوبنا!! وكأني أستعيد ما قاله عنه يوما أستاذي وأخي وصديقي الدكتور فؤاد عزب وهو يتحدث عنه في لحظة حب: إنه رجل يجعلك تشعر بأقسى مراحل الألم من فرط السعادة وأنت بجواره ، رجل تتمنى أنك لم تعرفه. في هذه اللحظة وأنا أنهض وأسقط مع كلماتي وضعت أصبعي على جزء من الذاكرة وأنا إلى جواره ذات مساء في سيارته والوجهة بلا حدود ومعالم لأنه الوحيد الذي كان يسمح له أن يغازل الليل والأماكن المسكونة بروائح الذكريات والناس والبساطة وينتقي منها ما يشاء. مع صوت عبدالوهاب في النهر الخالد تحدث واستمعت ، وسألت وأجاب ، ومع ذلك كنت بين الحين والآخر أردد معه والليل ثالثنا.. (مسافر زاده الخيال والسحر والعطر والظلال...) وها هي الأيام تمضي وتظل أنت صامدا في وجه النسيان ، تطرق أبواب الذكريات وتعبر من خلال نوافذها المشرعة كفرحة العيد والتقاء المحبين. [email protected]