الوقف سنة عظيمة من سنن الإسلام ، لتحقيق التكافل الاجتماعي بين أبناء المجتمع المسلم، وعلى مر العصور ، كانت الأوقاف الخيرية والأهلية رافداً فاعلاً ، ليس فقط في سد احتياجات المعوزين من أبناء الدول والمجتمعات الإسلامية ، بل ودعم كل جهود التطور والرقي والتنمية من خلال دعم مناشط التعليم ، وكفالة طلبة العلم ، وبناء المدارس ، وغيرها من أبواب الخير التي تحقق مقاصد الشريعة . على الرغم من أهمية الأوقاف ، وما يرتبط بها من خير يناله الواقفون ، والموقوف عليهم في ذات الوقت، إلا أن الواقع يؤكد أن بعض الأوقاف الأهلية لا تتحقق بها مقاصد الشريعة ، لا لقصور في الأوقاف ذاتها ، بل بسبب مخالفة النظَّار القائمين عليها لشروط الواقفين ، فينفقون غلة الأوقاف في غير ما أراد الواقف ، أو يهملون في صيانة الوقف وتجديده ، فيصيبه العطب والخراب ، وتندثر أصوله ، وتتوقف منافعه ، من دون أدنى مساءلة ، أو حساب من قبل الجهات القضائية باعتبارها الجهة المسؤولة عن مراقبة أداء نظّار الأوقاف . والمتأمل لكثير من النزاعات حول الأوقاف الأهلية يجد أنها غالباً بين أبناء أو أشقاء صاحب الوقف ، الذين ربما وجدوا أنهم لا يستفيدون من هذا الوقف ، كما أراد أبوهم أو أخوهم في وقفيته، لأن ناظر الوقف الذي ربما كان أيضاً من العائلة ، راح يتصرف في غلة الوقف على هواه من دون أدنى اعتبار لشروط الواقف ، بل انحرف بعض النظار بالوقف عن أهله المستحقين له بنص الواقف ، بل ربما حرم أولاد الواقف نفسه ، وأخذها البعيد من القرابة بغير حق ، وإذا كان بعض المستحقين أو المستفيدين من هذا الوقف لجأوا إلى القضاء للحصول على حقوقهم ، فإن الكثيرين يخجلون من طرق أبواب المحاكم، ورفع دعاوى قضائية ضد ناظر الوقف حفاظاً على أواصر القربى وصلة الرحم، فقد يكون عمهم أو خالهم أو أخاهم الأكبر هو الناظر ، أو بسبب عدم معرفتهم أصلاً بما نصت عليه الوقفية ، وترتيب المستفيدين منها. والطامة الكبرى حين يبلغ الناظر من العمر عتيا، ويصبح غير قادرٍ على إدارة شؤون الأوقاف ، ويبدأ أبناؤه بالتصرف بالوقف وكأنه حق مشاع .. وتبقى تلك الأموال في ذمته وأبنائه . وإذا كان الفقهاء قالوا : إن شرط الواقف كنص الشارع ، للتدليل على ضرورة الالتزام بشروط الواقفين ، وعدم مخالفتها ، فإن مراقبة مدى التزام النظار بشروط الواقفين لا يجب أن ينتظر دعوى قضائية يرفعها المتضرر من مخالفة هذه الشروط بعد وقوع الضرر والمخالفة ، والأولى أن يحال قبل وقوع الضرر والمخالفة أصلاً ، وهذه هي مسؤولية القضاء ، لإيجاد آليات دقيقة لمراقبة أداء نظار الأوقاف الأهلية ، والوقوف على مدى التزامهم بشروط الواقفين ، طالما أنها لا تخالف الشريعة ، ومع التطور الذي يشهده تنظيم القضاء في بلادنا في الوقت الحالي ، نتطلع إلى الإسراع بإيجاد مثل هذه الآليات حماية لأصول الأوقاف من الاندثار ، واحتراماً لشروط الواقفين وحقوق المستفيدين ، وكذلك حماية للعلاقات العائلية ، حتى لا يجد بعض المستفيدين من الأوقاف نفسه مضطراً لرفع دعاوى قضائية ضد عمه أو خاله أو أخيه .. والله المستعان . alomari 1420 @ yahoo . com