تمر السنين في غفلة منا ولا نكاد ندرك مرورها فهي تمر سريعاً دون أن نحس بذلك إلا بعد فوات الأوان.إلا أننا دون وعي منا نسترجع أحلى وأجمل ما فيها بصورة تفوق الواقع وتُسكن فينا الحنين فتعوض غياب من غاب وتُحقق المستحيل عن طريق أحلامنا خلال نومنا، فنقوى على تحمل باقي مشوار الحياة بقدرٍ أقلٍ نوعاً ما من الألم .إلا أنه قد تعترينا فيها أوقات نُحرم فيها من أحلامنا وعندما تغيب الأحلام نجد أنفسنا وقد غابت الدنيا كلها واختفت عن أعيننا وفقدت قلوبنا دقاتها أثناء بحثها عن ذكريات لا تعود إلا هناك. تأبى أنفسنا إلا أن تنقب داخلنا عن أحلى وأجمل ذكرياتنا، نجد كل هذا في طيات أحلامنا وإن غاب دورنا عن ساحة الذكريات سهواً وليس قصداً، فكل إنسان يحمل في داخله عمراً بأكمله فيه من الأفراح والأتراح والمغامرات حلوها ومرها ما يسجله في ذاكرة لا تنسى فهي حارسها الأمين وحامي حقوقها إلى أن تطفو على سطح محيط الحياة ليلتقطها وقد تدونها الأقلام والدفاتر وتستعيدها الألسن والعقول بكل تخيلاتها وتحليلاتها المتنوعة وهكذا يحتفظ الإنسان بكل أيام حياته الغالية والثمينة لديه. أتصور هؤلاء الذين ابتلوا بحالاتٍ تجردهم من ذكرياتهم يحاولون جاهدين البحث عن ماضٍ لا يعرفون كنهه، وهل هو ببشاعة ما يخشون؟ أم هو بجمال و روعة ما يأملون، ويكادون يصابون بفقدان أمل اللقاء. فإذا ببركانٍ ذاكرتهم الخامدة وقد تفجر وانتشرت حممه فأخفت القبيح الذي لا يسُر وانتقت الجميل فكونت أحلى جزيرة داخل بحر من الأحلام معمرة بزهور نتاج ذاكرتهم التي تحوي الكثير من الذكريات وأحلى ما اكتسبوه في مشوار حياتهم .. وإذا بهم يجدون أنفسهم بعدما كانوا تائهين بين السنين وقد وجدوا ضالتهم في هذه الجزيرة الرائعة التي يقف وسطها من كان غائباً عنهم فتنقذهم بقلوب تحتضنهم وأحضانٍ تحتويهم وتحميهم من ضياعٍ كانوا تائهين فيه لتنتشل من غاب وسط الحياة وأمواجها التي لا تهدأ بعدما يئس لتلقي به حيث من يبحث عنهم في زخم الحياة التي لا ترحم ولا تسير على وتيرة واحدة قد رسى قاربه أخيراً على بر الأمان، فيتحرر وينطلق ليطوف بعقله مشاركاً عقولاً كثيرة كان يبحث عنها ليرتشف من رحيق ثقافاتها ويفرغ مكنونات قلبه فيعوض سنين الغياب بكل انطلاق وحيوية. همسة لجبران خليل جبران: في قلب كل شتاء ربيع يختلج، ووراء نقاب كل ليل فجر يبتسم.