تود رشا أن تقف على مبرر واحد مقنع لما يجري هنا في الغرب وهناك في المشرق العربي من رفض الأغلبية للأقلية التي تعيش معها منذ عهود في أمن ووئام. فهنا،في الغرب، رفض لعادات وتقاليد الجاليات المسلمة التي كان لها الفضل في إعادة بناء ما دمرته الحربين العالميتين الأولى والثانية، بما في ذلك أداء معظمهم عمل الخدمات التي يأنف المواطن الغربي من أدائها، وكان لأجدادهم وآبائهم أن اكتسبوا جنسية البلدان المقيمين فيها وفقا للدستور والقوانين المرعية، وبهذا فهم مواطنون على قدم المساواة مع أهل البلد الأصليين. وفجأة، وفي ضوء تداعيات ما سمي بالحادي عشر من سبتمبر، جوبهوا بموجة من العداء، ونقد لعاداتهم ولتقاليد معتقداتهم، وبالدعوة إلى ترحيلهم من حيث أتى آباؤهم وأجدادهم. كما تبدي بعض الأحزاب اليمينية خوفها من أن تتحول القارة الأوربية المسيحية بأغلبية سكانها، إلى قارة أغلبية سكانها من المسلمين خلال السنوات الأربعين القادمة، بحكم الخصوبة العالية عند المسلمين الذين يتباهوا بعدد أفراد أسرهم، وتضاؤلها عند أهل البلاد الأصليين الذين يكتفون بطفل واحد أو اثنين على الأكثر، ولا ترى رشا مبررا للخوف، وبرهانها ما كانت عليه أسبانيا المسلمة وعلى مدى قرون ثمانية من تعايش بين معتنقي الديانات السماوية الثلاث، مبني على المواطنة، وأن لا إكراه في الدين، ولكم دينكم ولي دين، وخيركم خيركم لأهله. وهناك في المشرق العربي يشاهد نزوح الأقليات المسيحية، وهم من هم من العرب المتأصلة جذورهم في تراب أوطانهم منذ فجر التاريخ، إلى أوربا والأمريكيتين للنجاة بحياتهم من أعمال العنف والتصفيات العرقية والمذهبية التي طالت المواطنين في البلدان التي تعرضت للغزو وللاحتلال ، وآخر حوادث العنف تلك التي طالت كنيسة في بغداد عندما لجأ إليها من تصفهم السلطات الرسمية بالإرهابيين وأنهم احتجزوا من كان في الكنيسة من مصلين فقامت السلطات بحملة لتحرير الرهائن أدت إلى مقتل وجرح المئات من المدنيين من مختلف طوائف المجتمع العراقي. ولا يغيب عن رشا تلك الإغراءات المادية والمعنوية التي تقدم لمسيحيي بيت المقدس وما حوله لترك مسقط رأسهم، والهجرة إلى الغرب والأمريكيتين، وبهذا تنتقل ممتلكاتهم للمغتصب المحتل الذي يعمل وبمباركة غربية وأمريكية على تهويد فلسطين. ولا تغفل رشا ما يحدث في القارة الأفريقية من صراعات قبلية ودينية أدت إلى تفتيت العديد من دولها، وتسببت في أعمال عنف زادت من حالات الفقر والبؤس التي تعاني منها شعوب القارة السوداء، هذه القارة التي يشهد التاريخ لمواطنيها تخليص شبه جزيرة أيبيريا من فساد حكم القوط ونقلهم حضارة الإسلام إلى هذه البلاد فرفعتها إلى الدولة الأكثر رقيا وتقدما في الغرب ولقرون عديدة. وتتساءل رشا، والعالم من أقصاه إلى أقصاه لا يزال يعاني من الكارثة المالية التي تسببت فيها بنوك الرهن العقاري في الولاياتالمتحدةالأمريكية فقضت على معظم مدخرات الدول المنتجة للطاقة، وعلى معظم مدخرات الدول المتقدمة اقتصاديا في القارة الآسيوية، وعرضت دول الاتحاد الأوربي إلى أسوء أزمة اقتصادية تهدد العديد من دوله بالإفلاس لعجز ميزانياتها عن الوفاء بالتأمينات الاجتماعية والصحية لمواطنيها وقد قارب عدد العاطلين منهم عن العمل العشرين بالمائة، تتساءل عن المحرك لكل هذه الصراعات، وهل هم الذين كانوا وراء تهديد الاقتصاد الألماني في النصف الأول من القرن العشرين مما أدى لصعود النازية ومن بعد سقوطها بعد حروب مدمرة، وكانوا وراء قيام الشيوعية ومن بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وما رافق ذلك في البداية والنهاية من نهب للثروات وإهدار لكرامة الإنسان. و لا تخفي رشا قلقها من تفاقم الأزمة وما قد يصاحبها من تشجيع المتطرفين من هنا وهناك للقيام بأعمال عنف واضطهاد، وإعطاء من يسمون بالقاعدة فرصة القيام بأعمال إرهابية أو التلويح بإمكانية القيام بها، وتتمنى على قادة العالم الروحانيين والسياسيين والمفكرين العمل على تفكيك عقد الأزمة الراهنة لإعادة العالم إلى ما كان علية من وفاق وتعايش يحفظ للإنسان كرامته . مدريد