رشا ، كعادتها في عطلة نهاية الأسبوع، جاءت مع الصباح الباكر لتشاركنا الفطور الشرقي حيث الفول المدمس والحلاوة الطحينية والجبنة البيضاء والدقة المديني إلى جانب البيض المسلوق، مع قطع من التميس ( خبز تنور) نخرجها من الفريزر في المناسبات. ومع فنجان الشاي عادت لتطلب تفسير حلمها، خاصة وأن الحلم عاودها ليلة أمس ، وفيه رأت نفسها أنها لا تزال محلقة في السماء ، تشاهد البر من جهة، والشيخ مع خشبة مركبة من جهة أخرى، غير أنها في هذه المرة شاهدت العديد من الشباب يعومون فوق قطع من خشب المركب المحطم ويحيطون بشيخهم إحاطة السوار بالمعصم ، ويشيرون إلى الشاطئ بإصبعي النصر، وأمواج البحر تردد معهم وبصوت فيروز الملائكي: يا قدس ، يا قدس، يا مدينة الصلاة ، عيوننا إليك ترحل كل يوم ، تدور في أروقة المعابد ، تعانق الكنائس القديمة و تمسح الحزن عن المساجد . لن يقفل باب مدينتنا فأنا ذاهبة لأصلي، سأدق على الأبواب، وسأفتحها الأبواب، وستغسل يا نهر الأردن وجهي بمياه قدسية ، وستمحو يا نهر الأردن أثار القدم الهمجية. الغضب الساطع آتٍ، بجياد الرهبة آتٍ، وسيهزم وجه القوة. البيت لنا، و القدس لنا، وبأيدينا سنعيد بهاء القدس ، بأيدينا للقدس سلام آتٍ. أجبتها بأن الحلم في غاية الوضوح و لا يحتاج إلى تفسير، حق العودة إلى الوطن حق مقدس ، والمهجرون الفلسطينيون مصممون على العودة مهما طال الزمن ، فالقدس هي لأهل القدس العرب ، وفلسطين أيضا هي لأهلها العرب على اختلاف دياناتهم ، فجميعهم من سلالة وأتباع أنبياء الله موسى وعيسى ومحمد عليهم صلوات الله وسلامه، وأن على الآخرين التعايش مع دولة للفلسطينيين ، أو مواجهة الغضب الساطع المبحر باتجاه البر ، وهو غضب مشروع يلهب حماس المسيرة، وصمود غزة خير برهان على صدق عزيمة هذا الشعب. أخذت رشا لحظات تأمل وعادت لتسألني عما إذا كان هذا هو كل ما عندي قوله عن تفسير حلمها، فهذا قد يعني أن الفلسطينيين يعملون على رمي الإسرائيليين في البحر حسب ما تردده مصادر الإعلام الصهيونية عندما تبرر أعمال القمع التي يمارسها جيش الدفاع الإسرائيلي منذ قيام هذا الجيش عام 1948وقبله عندما كان أفراده ضمن العصابات الصهيونية التي مارست الإرهاب والقتل والتشريد لإفراغ الأرض من سكانها. أجبتها بأن الأحداث ومنذ أن زرعت إسرائيل فوق التراب الفلسطيني خير شاهد عمن يريد التخلص منهم ، وحرب غزة وقنابل الفسفور الأبيض التي قتلت وشوهت آلاف الفلسطينيين ، وقبلها ما يزيد عن 17 مجزرة بشعة منها دير ياسين واللد وعيلوط والطنطورة والصفصاف وصبارين وغيرها تثبت وبوضوح بأن الصهاينة يعملون على إبادة شعب فلسطين ظنا منهم بأن هذه هي الطريقة الوحيدة لإقامة دولة يهودية عنصرية بين النهر والبحر كمرحلة أولى لدولة إسرائيل الكبرى، وما عرفوا بأن العرب وخاصة عرب فلسطين لهم صبر نبي الله أيوب ، ولا يعرفون الاستسلام ، ومن منطق التزامهم بالسلام يجيرون من لجأ إليهم ويكرمون الغريب، وأنهم في تاريخهم في المشرق حيث فلسطين وفي الغرب حيث كانت أسبانيا المسلمة ، قد تعايشوا مع الآخرين على اختلاف دياناتهم وأعراقهم ، وأن ما يعمل الفلسطينيون من أجله هو بناء دولة تحفظ لهم هويتهم ، مع استعدادهم للتعايش مع الأغراب ممن ولدوا على أرض فلسطين ضمن دولة ديمقراطية واحده لا ميزة لمواطن على الآخر إلا بالتقوى والإخلاص في خدمة المجتمع، وأن التعايش رغم المآسي أمر ممكن هذه الأيام، فبالرغم من طغيان البيض في جنوب أفريقيا وتجبرهم على أهلها وزج الآلاف منهم في السجون فإن المستوطنين البيض رفعوا الراية البيضاء في النهاية وقبلوا بدولة ديمقراطية تضم الجميع على قدم المساواة ، هذه هي ثقافة الأمم الحضارية، والعرب والأفارقة أمم حضارية لها جذور عميقة في تراب بلدانها تمكنها من الصمود والمقاومة إلى أن يحق الحق ويصح الصحيح. ردت رشا بالقول إن إسرائيل حقيقة قائمة وأن المبادرة العربية قد اعترفت بوجودها. أجبتها بأن المبادرة هي لتمكين الفلسطينيين من لم شملهم وإقامة دولتهم على ما تبقى لهم من بيتهم الفلسطيني ،ومن ثم بوسع قادة الدولتين إيجاد صيغة تعايش مشترك يضع حدا لأعمال العنف وتوفر للمواطن فوق أرض فلسطين حريته وكرامته. رفعت رشا يديها إلى السماء وهي تقول OJALA "أي إن شاء الله"، وغادرت على وعد بلقاء قريب ، وأنا مشكك فيما تقصده من OJALA ، أهو التعبير الشائع عندما يكون اليأس هو سيد الموقف ، أم معناها الصحيح .