كتب الأستاذ أحمد بن عبدالغفور عطار -رحمه الله - في صحيفة "البلاد" منذ خمسين عاماً، وتحديداً في 24-8-1381ه، مقالة تحت عنوان: "لغة الدواوين"، وشكا فيها الكاتب حال اللغة العربية في الصحف والإذاعة، وفي أروقة الوزارات، ومما قاله: (أظن اللغة العربية "المسكينة" في هذه الأيام فقدت الأنصار والحماة، وزاد المستخفون بقواعدها فهم لا يبالونها فيما يكتبون)، وقال أيضاً: (وإعلانات الوزارات والبلديات تزدحم بالغلطات، حتى إعلان وزارة اللغة والنحو -المعارف -لم تسلم من الغلطات، فهي تجمع "مدير" على "مدراء"، وقرأت إعلاناً على سور في بضعة سطور لبلدية جدة فوجدته حافلاً بالأخطاء، وكأن كاتبه لا يعرف قواعد اللغة العربية، بل قرأت كثيراً من معاملات الوزارات، ورسائلها، وتعليقاتها، وقراراتها، فإذا هي مليئة بالأخطاء، واقترحت غير مرة ألا تخرج معاملة إلا بعد أن تمر على "رقيب لغوي"، واقترحت أن يكون في كل وزارة أو إدارة بضعة "موظفين" يجيدون العربية إجادة تامة، ويتقنون الكتابة لتخرج الرسائل والتعليقات سليمة في البناء والأداء، إذ لا يكفي أن تحتفظ الجمل والكلمات بسلامة البناء من الناحية اللغوية والنحوية، بل لابد أن تكون سليمة الأداء من الناحية البيانية، لا ركاكة فيها ولا ضعف ولا خمول)، انتهى المقتطف من كلام الأستاذ أحمد عطار -رحمه الله -، وقد كتب هذا النداء منذ خمسين عاماً، ولم يزد الأمر إلا سوءًا، ولو قام من مرقده -رحمه الله -لتحول النداء إلى بكاء على حال اللغة العربية. وإذا كان الإعلام أداة من أدوات الثقافة، فقد أتحفنا الإعلام بقنواته الفضائية بمذيعين ومذيعات لا يعرفون من اللغة العربية إلا حروفها، بل حتى مخارج الحروف أصبحت تتأثر بحركات الفم المفتعلة "إنا لله وإنا إليه راجعون"، إن الإعلام والقائمين عليه في القنوات الفضائية لم يجعلوا الفصاحة والبيان، وسلامة اللغة وإجادتها في مقدمة متطلبات المذيعين والمذيعات، بل كان مطلبهم الأول والأخير "الوسامة" و"الجاذبية" من الجنسين على حساب اللغة العربية، وليس مهماً أن يتحول المرفوع إلى منصوب، أو أن ينصب المرفوع، ويثقل على المذيع أو المذيعة التهجي الصحيح للأعلام والأوائل، أو أسماء المواقع والأماكن. وأما الدوائر الحكومية فإن حالها حال الإعلام، لا يزال يخرج منها مكاتبات ضعيفة مملوءة بالأخطاء الإملائية والنحوية، وقلَّ منها ما ينجو من هذه الأخطاء، ومن يتسنى له الاطلاع على بعض المكاتبات الحكومية يضحك قسراً أو يبكي قهراً من الركاكة في الأسلوب، والأخطاء التي يفترض ألا يخطئ فيها الطالب الذي اجتاز المرحلة الابتدائية، فكيف بمن يحملون الشهادات العليا من المراحل الجامعية فما فوقها والطامة الكبرى حينما تكون الأخطاء في تعميم في إحدى الوزارات يلزم جميع الموظفين قراءته، والعمل به، وربما يكون هذا التعميم مستمراً لسنوات عدة حتى يأتي تنظيم آخر يلغيه، أو يضيف إليه تعليمات أخرى.لقد قرأت عن الشكوى والتذمر من قبل خريجي كليات اللغة العربية، وأقسامها في الجامعات السعودية، ومطالبتهم لوزارة التربية والتعليم، وتساءلت لماذا لا يوجد في كل جهة حكومية مكتب يحمل اسم "المراجع اللغوي" أو "المستشار اللغوي"، ويلحق بها عدد من المتخصصين في اللغة العربية، ويقومون بمراجعة الكتابات التي تصدر من المسؤولين في الدوائر الحكومية، كما يقومون بإعداد نماذج للمكاتبات المعتادة في الدوائر الحكومية، ووضعها في قوالب بحيث يتغير الموضوع، واسم صاحب المعاملة، والأرقام، والتواريخ. لقد أحسنت بعض الجهات الحكومية في وجود "مراجع لغوي"، بل إدارات وأقسام متخصصة في المراجعة اللغوية، كما هو الحال في هيئة الخبراء، وديوان رئاسة مجلس الوزراء، وأتمنى أن يحذو الجميع حذو بعض الجهات النابهة. لقد عني سلفنا باللغة العربية، وكيف لا ؟ وهي لغة القرآن الكريم، ولغة أهل الجنة، وكلنا نعلم قصة عمر بن الخطاب حينما تلقى رسالة من أبي موسى الأشعري رضي الله عنه فيها خطأ في رفع اسم من الأسماء الخمسة، فقال :"من أبو موسى" بدلاً من "من أبي موسى"، فغضب عمر بن الخطاب وكتب إلى أبي موسى أن يقنع كاتبه، والتقنيع : أن تعلو الرأس بالسوط. وقبل هذا سيدنا ومعلمنا وقدوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما لحن صحابي أمامه، فقال لأصحابه : "أرشدوا أخاكم فقد ضلّ"، فالرسول صلى الله عليه وسلم سمى الخطأ في اللغة ضلالاً، والصواب فيها رشداً، وابن الخطاب عاقب على الخطأ النحوي بالضرب "فكم من الموظفين والمسؤولين بحاجة إلى التقنيع والضرب؟". وفي تاريخ مصر القديم كان هناك ديوان اسمه (ديوان الإنشاء) لا يخرج من السلطان أو الوالي كتاب أو مرسوم حتى يعرض على من في هذا الديوان من العلماء والأدباء والكتاب في ذلك الزمان، وكان لهم راتب من بيت المال. خاتمة : أتمنى أن تبادر الجهات الحكومية إلى تعيين متخصصين في اللغة العربية يقومون بمراجعة المكاتبات والنماذج "الاستمارات" فلا يعتمد أي كتاب إلا بعد مراجعته، وأن تتأسّى هذه الأقسام بما يوجد في معظم الدوائر الحكومية من وظائف مترجمين للغات الأجنبية، وأقسام للترجمة. وأمة الإسلام أحق بذلك وأجدر، فلغتها عالمية، لأن رسولها العربي بُعث للعالمين أجمع، والقرآن عالمي، أفلا يكون تعلم اللغة، وإتقانُها، والبعدُ عن اللحن والخطأ فيها عالميًّا. وما أحسنَ قولَ من قال:نحن إن نجتمع على اللغة الفُصْ حَى سنبقَى في وَحْدَةٍ وكِيان alomari 1420 @ yahoo. com