لقد تفنن مؤلفو ومخرجو الأفلام الأمريكية في الخيالات العلمية والدمار بما يفوق الوصف وأجاد المخرجون الإبداع الذي لا نظير له وتعدى خيالهم في الإخراج والديكورات كل تصور وقد يؤخذ على المؤلفين مآخذ كثيرة لانجرافهم نحو التخويف والرهبة من المستقبل بما تقدمه تصوراتهم وبما سيحل بالعالم من نكبات وكوارث يبتدعون تصويرها في تلك الأفلام. كما أن التشاؤم كثيراً ما يبقى في عقول بعض المُشاهدين لها، وفي فيلم "اليوم الذي بعد غد" وما تخيله مؤلفو الخيال في الفيلم المذكور من عاصفة الجليد التي غطت مدينة نيويورك حتى وصلت إلى تمثال الحرية الشهير قد لا يكون مبالغاً فيه، فالكوارث الطبيعية تحدث بأمر من خالق السموات والأرض لتكون عبرة للعالمين، والله قادر على إنهاء العالم بأمره سبحانه وتعالى يقول للشيء "كن فيكون". ذكرني ذلك الفيلم بالعاصفة الثلجية التي اجتاحت مدينة نيويورك وضواحيها عندما كنت هناك في أواخر ديسمبر عام 1995 م في نفس اليوم الذي كان مقرراً مغادرتنا فيه إلى المملكة وما صادفناه خلال رحلتنا من مدينة ييل في ولاية كونتيكت التي تبعد عن نيويورك مسافة ثمانين كيلاً مما عطل سفرنا لعدة أيام بقينا فيها في فندق "شيراتون منهاتن" على نفقة الخطوط السعودية حتى انجلت الرؤية لطريقة آمنة توصل إليها المسئولون للسفر سالمين، حيث كان ممر مُدرج الطائرات الكبيرة يكسوه الجليد المستمر في التراكم من غزارة العاصفة وشدتها ولا يمكن للطائرات الكبيرة السير على الممر الطويل لتتمكن من الطيران لمسافات بعيدة خاصة وهي مُحملة بنسب كبيرة من الوقود لما سيشكل خطراً شديداً على الطائرة وبالطبع ركابها. وقد تسبب التأخير غير المتعمد بالضرر لكثير من المسافرين المرتبطين بمواعيد مهمة خاصة رجال الأعمال والأطباء وغيرهم. رأينا في تلك الساعات التي مكثنا فيها في المطار بانتظار قرار الخطوط في التوصل لحل المشكلة ما يدهش الإنسان "خاصة الكاتب" فله نظرة فاحصة دقيقة تلتقط كل شيء تراه وتلمحه وبالطبع تختلف عن نظرة الآخرين. أخذني هذا الفيلم لأيام جميلة رغم البرد الشديد الذي قيد أغلب المسافرين للبقاء في الفندق بسبب الملابس التي في الحقائب داخل الطائرة وكان علينا التصرف بما نرتديه من ملابس تتحول بعضها في المساء لتصبح بيجامات وقمصان نوم. وتم نقلنا على متن الطائرة بعدما أفرغت الزائد من الوقود وأبقت فيه ما يكفي لتصل إلى واشنطن العاصمة، وصلنا سالمين آمنين وتم تزويد الطائرة بالوقود الكافي لتبدأ الرحلة الطويلة. همسة: لقد قرب هذا الحدث كثيراً بين الركاب بعضهم البعض والتقينا بمن لم نكن نعتقد أن نراهم مرة أخرى في حياتنا فالدنيا تجمع كما تفرق. ولنعد لمخرج ومؤلف الفيلم الذي أعاد شريط الذكريات بفيلمه الخيالي وربما أنه قد اقتبس أفكاره من إحدى عواصف أمريكا الثلجية وكوارثها التي لا تنتهي أعاذنا الله من غضبه وشر عقابه في يوم ما بعد الغد.