لم يكن الفيلسوف اليوناني أرسطو جانحاً في بحور الخيال ولم يكن متفلسفاً أكثر من اللازم عندما أطلق عبارته الشهيرة ( أيها الإنسان اعرف نفسك ) بل كان ينطلق من حقيقة واضحة وحكمة بالغة اقرها المولى عز وجل قبل ذلك كله في كتابنا الكريم ونهجنا القويم في العديد من الآيات والأحاديث الشريفة ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) لذلك فمعرفة النفس هي بمثابة المفتاح الحقيقي لولوج عالم الحياة ومعايشة الأحياء وإعمار الأرض بالعمل الصالح والأثر المحمود . هبطت عليك من المقام الأرفع ورقاء ذات تدلل وتمنع وصلت على كره إليك وربما كرهت فراقك وهي ذات تفجع فكأنها برق تألق بالحمى ثم انطوى فكأنه لم يلمع والورقاء هنا كناية عن النفس البشرية واصلها ومالها كما يصورها العالم العربي الفيلسوف ابن سينا . فمعرفة النفس والغوص في أعماق الذات ومواجهتها مابين الحين والآخر وإعادة حساباتها بما يتلاءم وطبيعة التطوير والتغيير في كل مرحلة من المراحل أمر مطلوب دون أن يمس ذلك التغيير والتطوير ثوابت العقيدة الأساسية , والحقيقة أن الزمان لا يثبت على حال ودوام الحال من المحال كما يقال ( وتلك الأيام نداولها بين الناس ) وقال تعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ) وقد عد أهل العلم هذه الآية الأصل في محاسبة النفس ولقد أدرك السلف الصالح هذه الحقيقة فضربوا أروع الأمثلة في محاسبة أنفسهم ومراقبتها في جميع أعمالها وأحوالها ولا يتسع المجال لعرض بعض الصور والنماذج لذلك . وعندما تعرف أيها الإنسان حقيقة نفسك تستطيع أن تعيش وتتفاعل مع منظومة الحياة المتكاملة فتصنع لنفسك كينونتها واستقلالها وتطلق قدراتها وتتفاعل مع قيم المجتمع وتتواصل وتتكامل مع الآخرين وستدرك تماماً أن الحياة أخذ وعطاء ,عمل وجد , تفاؤل وأمل , سعادة وشقاء , تعاون وتكامل , فرح وترح , وقبل ذلك كله إيمان وعقيدة ، حياة وممات. فيا أيها الإنسان الحي اعرف نفسك وحدد سقف إمكانياتك وطموحاتك وليكن لحياتك غاية وهدف وصدق من قال حياة بلا هدف كبحر بلا شاطئ , توسد الأمل وتمسك بالمثل العليا والأخلاق الحسنى وراقب مولاك في كل صغيرة وكبيرة واحرص أن يكون لك رسالة في الحياة ونحو مجتمعك وإنسانيتك وان يبقى لك بصمة في حياتك بعد رحيلك. وكن رجلاً إن أتوا بعده يقولون مر وهذا الأثر وعندما تصل إلى هذه النتيجة وتطبقها قولاً وعملاً سوف تنجو بحياتك وتنعم بسعادة الدارين الدنيا والآخرة ولن يخيب الله مسعاك وجدك واجتهادك فقط أعقلها وتوكل ورحم الله امرءاً عرف قدر نفسه,وهذا علمي والسلام.