قليل من الناس يمكن أن يجمع خصالاً ومواهب متعددة في ذاته وشخصيته يتميز بها إيجاباً ونجاحاً، فلا يطغى جانب منها على حساب الآخر، ولا ينقص سلباً مقدار خصلة على أخرى.. ربما لكونه جمع في اقتدار بين المناصب الوزارية المتعددة والعمل الدبلوماسي المرموق إلى جانب العطاء الثر في الشعر والأدب والحضور الإعلامي والثقافي سواء على المستوى المحلي أو العربي. ذلك هو الدكتور غازي القصيبي يرحمه الله.. والذي هو نجم لا يأفل وذكرى لا تنمحي من ذاكرة ووجدان الأجيال.. فقد كان صاحب مواقف واهتمامات كبيرة، وصاحب روح مرحة متقبلة للآراء، استرق من وقته الثمين ساعات ليكتب لنا شعراً من وجدانه فكان درراً يرددها الزمان فقد قال في جسر الملك فهد الذي يربط بين المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين قصيدة رائعة يتخيلها ويرددها كثير من الناس كلما شاهدوا أو عبروا ذلك الجسر اقتطف منها بعض الأبيات : ضرب من العشق لا درب من الحجر هذا الذي طار بالواحات للجزر ساق الخيام إلى الشطآن فانزلقت عبر المياه شراعاً أبيض الخفر وهذه أغنيات الغوص في أذني أم حداة شدوا بالشعر في السحر بدو وبحارة وما الفرق بينهما والبر والبحر ينسابان من مضر لقد كان يرحمه الله إنساناً متواضعاً ولعل ما يحكيه من الطرائف في كتابه “حياة في الإدارة” تجسد مدى تواضعه وحرصه على متابعة القائمين على العمل في وزارته.. فيقول عن انقطاعات الكهرباء التي حدثت (قديماً) في منطقة الرياض: وكان وقتها وزيراً للكهرباء “ كنت أثناء الانقطاعات (للكهرباء) في الرياض أتوجه إلى مقر الشركة وأشارك موظفي السنترال تلقي الشكاوي الهاتفية، وذات ليلة اتصل مواطن غاضب وقال وهو يصرخ: “ قل لوزيركم الشاعر أنه لو ترك شعره واهتم بعمله لما انطفأت الرياض كلها ”، قلت ببساطة : شكرا وصلت الرسالة! قال: ماذا تعني؟ قلت: أنا الوزير.. قال: أحلف بالله! قلت: والله ! فكانت هناك لحظة صمت في الجانب الآخر قبل أن تهوي السماعة. رحم الله تعالى الدكتور غازي القصيبي وأسكنه فسيح جناته مع الشهداء والصديقين وحسن أولئك رفيقاً والعزاء لنا جميعاً ولأهله ومحبيه.. و "إنا لله وإنا إليه راجعون".