اختطفت المنية الثري المعروف الشيخ عمر بالبيد، فانطوت بموته صفحة من كتاب العصاميين السعوديين الذين شقوا طريقهم الصعب الطويل، من الفقر المدقع، الى الثراء الواسع، بصبر ومعاناة وتحمل. لم يولد الشيخ عمر غنيا، ولكنه بدأ حياته كعامل بسيط، وتدرج في أعماله، وتحلى بالصبر والمثابرة والجهد، واستفاد مما توفره بلادنا السعودية من الفرص، للمجتهدين المثابرين، فوصل بعد السنين، الى النجاح الباهر والثراء الواسع. وقد توفي قبله العديد من الاثرياء السعوديين الذين انطلقوا مثله عصاميين، وعبروا الطريق الطويل، وليتنا نكتب قصص نجاحهم، ليستفيد منها الشباب. ولقد نظرت في اجتماع العزاء،الذي اكتظ بالناس، الى قصر كبير،مقابل لقصر بالبيد وعلى نفس الشارع، وتذكرت صاحبه، الذي كان من جيل الاثرياء العصاميين، وهو الشيخ اسماعيل ابو داؤود يرحمه الله. لقد عرفت الشيخ عمر بالبيد معرفة عابرة، معرفة الطبيب بمريضه، إلا إنني اعجبت بتواضعه واخلاقه، وتبرعه بعلاج الكثيرين على نفقته. ولم تغيره الثروة والمال، فلم يحتجب عن زواره، ولم يتكبر على اقرانه، ولم ينس الفقراء والمساكين من بره وماله، وله صدقات ومبرات، عرفت بعضها، وسمعت عن بعضها. وقد اكرمه الله بأبناء بررة، كفوه مشقة العمل، إلا أن حبه للعمل، الزمه الاستمرار في عمله، رغم ضعف نظره. ومن نعم المولى على الاغنياء اكرامهم بنجابة الابناء فيموتون قريرى العين، مطمئني القلب، وقال أحد العظماء لابنه لما حضرته الوفاة : لقد خلفت لك ثروة عظيمة فإن كنت رجلا فلن تحتاجها، وإن كنت سفيها فلن تنفعك. وقد راينا في زماننا أغنياء نمت أعمالهم بعد وفاتهم، وأغنياء ماتوا، فتبددت أموالهم وتلاشت ثراوتهم. و لقد ابتلي الشيخ عمر بضعف نظره، بسبب الاعتلال السكري، وسافر لاكبر مستشفيات العالم، ولقد انعكس ضعف النظر على حياته، فحجبه عن الدنيا وهو مازال على ظهرها، واضطره الى الاعتكاف القصير الذي انتهى بوفاته. رحم الله الشيخ عمر بالبيد، واسكنه فسيح جناته، ونفعه بما قدم لآخرته من صالح الاعمال، ونتذكر هنا قول الشاعر: والدهر ليس بناج من دوائره حي جبان ولا مستأسد بطل ولا دفين غيابات، له نفق تحت التراب ولا حوت ولا وعل بل كل شيء سيبلي الدهر جدته حتى يبيد، ويبقى الله والعمل