جميل الذيابي - الحياة اللندنية مع إشراقة شمس أمس (الجمعة)، تصفّحت «الحياة» بنية تسجيل الأخطاء المهنية واللغوية لتداركها مستقبلاً، وقراءة ما فات من الأخبار السياسية على وجه التحديد، لكنني «فجأة» وجدت نفسي أتوقف عند خبر على صدر الصفحة الأولى عنوانه «استحواذ 1225 سعودياً على 851 بليون ريال من مجمل الثروات في منطقة الشرق الأوسط بصفة «أثرى الأثرياء». حاولت تجاوز الخبر كغيره من الأخبار «ثقيلة الدم»، لكنني وجدت نفسي أقرأه مرتين، ثم فركت عيني مرتين وعطست «عطستين» وحمدت الله على الصحة والعافية. تساءلت بيني وبين نفسي وأنا أقرأ الخبر أين هؤلاء الأثرياء؟ أين هؤلاء الأغنياء؟ أين هؤلاء التجار ورجال الأعمال؟! هل يكترثون بأحوال المجتمع؟ ويعلمون كم نسبة الفقر فيه؟ وكم نسبة الذين لا يملكون مساكن؟ وكم نسبة البطالة بين الشباب وغير القادرين على تكوين أسرة؟ وهل يشارك هؤلاء الأثرياء في بناء المجتمع ويساعدون الشباب في التأهيل والتدريب للعمل في «إمبراطورياتهم» ومؤسساتهم التي بنوها من خيرات البلاد؟ وهل يشارك هؤلاء الأثرياء في مساندة خطط الحكومة لحل مشكلة الإسكان التي «تقرقع» فوق الرؤوس وتزكم الأنوف؟ حاولت أن أستمر في قراءة الصحيفة مع ارتشاف فنجان قهوة «تركية» فأصابتني ب»المرارة»، فحاولت أن أحشو بطني بملاعق من «الزبادي» لعله يخفف من آلامي ووجع معدتي «الفجائي»، لكنه لم يفلح، ثم التقطت حبتين «بنادول – اكسترا» ليذهب صداع رأسي، لكن «جنون» السؤال ظل يلح بأعراض الزكام، وعرفت أن الداء نتج من قراءة خبر «البليونيرية»، وما من حل إلا أن أتناول كمبيوتري «المهترئ»، وأكتب روشتة دواء، فليس لديّ دواء لمساندة الفقراء إلا «الهذاء» على «الكيبورد» وكتابة ما «صك برأسي» عوضاً عن «القلم» الغائب في زمن «التقنية». يقول نص الخبر إن أثرياء السعودية تربّعوا على قائمة «أثرى أثرياء» منطقة الشرق الأوسط خلال العام الحالي (2011)، وحازوا على المركز الأول في مجمل الثروات التي يملكها أفراد في المنطقة، إذ يمتلك 1225 ثرياً سعودياً ثروة قدرها 851 بليون ريال (227 بليون دولار) وفق تقرير لشركة «ويلث إكس» التي تتخذ سنغافورة مقراً لها. وكشفت الشركة، المتخصصة في المعلومات والتفاصيل المختلفة عن أثرياء العالم وتوزيع الثروة في أنحاء العالم، في تقريرها لعام 2011 عن أكبر أثرياء العالم وثرواتهم في القارات الخمس، أن منطقة الشرق الأوسط تضم 4490 ثرياً، (27.3 في المئة منهم سعوديون). الرقم «البليونيري» كبير، ومربك لمن لم يتعود على لغة «الأصفار» مثلي. لكن هل يدفع هؤلاء «البليونيرية» الزكاة السنوية على تلك الأرقام المالية الكبيرة؟ أين تذهب تلك الزكوات؟! لماذا لا تحول «زكوات» هذه المبالغ إلى مشاريع اجتماعية تبنى فيها مساكن تقسط على الشباب بأسعار «ميسرة» وتؤسس بها مشاريع يعمل فيها «المعوزون» لتساعدهم في الحياة الكريمة، خصوصاً أن من يستحوذ على هذه المبالغ الكبيرة عدد محدود؟ وبحسب التقرير فإن ثروات هؤلاء الأفراد لن تتأثر بالأزمات الاقتصادية. أعتقد أن أثرياء السعودية وتجارها أذكياء في جمع الأموال ويجيدون «الوجاهة» ولبس المشالح في المناسبات والتنظير في المنتديات الاقتصادية والمالية، لكن عندما يرن الجرس لإفادة الناس والمشاركة في إيجاد الحلول للمشكلات الاجتماعية عبر دعم وتأسيس مشاريع إنسانية تدر على الوطن والمواطن خيراً، يتنصّلون ويتقهقرون ثم يقولون إنهم ينتظرون الدراسات الاقتصادية، وهم يفرون علانية ما عدا عدداً قليلاً منهم يتمتع بروح إنسانية ولمسات اجتماعية تقوده نحو مساعدة الناس ومساندتهم وتحفيز الآخرين نحو تأسيس مشاريع تحل مشكلتي الفقر والبطالة. لقد أوقد المشاعل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز عندما نزل بنفسه (عندما كان ولياً للعهد) وزار بيوت الفقراء ونبه المسؤولين إلى سرعة حل الإشكال ومساندة جهود الدولة، لكن إلى اليوم لا تزال مشكلة الفقر تطل برأسها على رغم سهولة حلها في بلد ينام على ربع احتياطي النفط العالمي وبه «أثرى أثرياء» منطقة الشرق الأوسط. قبل فترة قليلة طرح المخرج بدر الحمود في فيلم «مونوبولي» على «يوتيوب» مشكلة الإسكان في البلاد، وتجاوز عدد مشاهديه 1.5 مليون مشاهد وناشد الكاتب الاقتصادي عصام الزامل خلاله أهمية فرض رسوم على الأراضي البيضاء لخفض «تضخم» الأسعار. لكن يبدو أن وزير الإسكان لا يملك الحلول الكافية لمشكلة «تؤرق» المجتمع، على رغم مضي سبعة أشهر على توليه الحقيبة الإسكانية. الأكيد أن الجميع من الفقراء والأغنياء والأثرياء يضعون رؤوسهم على «وسادة» النوم، هناك من «يشهق» من ديون بالآلاف وآخر «يزفر» بالثراء.. والنهاية «وسادة» مساحتها متران من دون ملايين أو بلايين.