(اقسم كرجل انجليزي أنني لم أقل إلا الحقيقة) بهذه العبارة ختم جلوب باشا "ابوحنيك" - الذي عايش العرب سنوات طوالاً ولعب أدواراً مهمة في المنطقة - ختم كتابه "أزمة الشرق الأوسط" الكتاب صغير. ولكن المراقبين في العالم يقولون بأهميته.وطبيعي فالكاتب رجل عسكري وداهية ومحنك واسلوبه اسلوبي علمي لم يقلد فيه "فولكنر" ولا "جيمس جويس" ويعرض ببساطة متناهية وجهة نظره الشخصية ما أثقل ضميره طوال سنوات عاشها في قريته القريبة من لندن وربما مرت عليه ايام وهو يسور مشاعره بما اتفق عليه ضمناً بأن تلك اشياء لا تقال حتى يجيء الوقت المناسب لقولها. ولعل الفلسطينيين لم يكونوا في حاجة من قبل لكلمة حق مثل ما هم عليه اليوم (وقد وجدوا أنفسهم في غمرة قضايا ليست قضية فلسطين ومشاكل ليست هي مشاكل النكبة وطرق وقنوات ليست هي طرق العودة، ان عيوب المواجهة العربية الفلسطينية مع العدو هي التبعثر والتشرد لقد تكلم جلوب عن الهزيمة في حزيران وعن اسبابها وعن (اللعبة) الروسية كما اسماها في ايقاع العرب في الهزيمة ومساندتهم للحصان الخاسر وعن تشريد الفلسطينيين من ديارهم وإحلال اليهود مكانهم، ويتساءل الجنرال "كيف نستطيع ان نقول في القرن العشرين "بأن بشراً يجب ان يطردوا من بيوتهم رغم ارادتهم وان يساقوا كماشية من مكان الى آخر؟" وهذا كلام رائع من رجل عرف يوماً بأنه يد استعمارية. ويؤكد جلوب عدم نجاح تكوين وطن قومي عربي يهودي على ارض فلسطين ويضرب مثالاً على ذلك البلدان التي تجمع داخل حدودها اجناساً مختلفة من البشر مثل الولاياتالمتحدة والاتراك واليونان في قبرص والانجليز في روديسيا والهنود والباكستانيين في كشمير.. الخ ,وهذه في اعتقادي نظرية وجيهة قد قال بها هذا الرجل المسن وعلى أية حال فأنا احزن كلما اكتشفت ان هناك اصواتاً منصفة وعاقلة لم تصلنا بعد والكتاب معقول جداً ولو انه لا يخلو من الخبث الانجليزي.