المداعبة محببة الى النفوس ، وتزيل عنها الهم والعبوس ، وهي ليست بالسخرية والاستهزاء المنهي عنهما ، ولاهي بالمزاح المفضي الى التباعد والتباغض . ونحن اليوم نسمى المداعبة سخرية، ومن داعب قراءه سمي بكاتب ساخر ، واشهر الساخرين العرب .. المصري احمد رجب .. وليس معه من خفة دم المصريين .. الا سطرين .. يكتبها في ساعتين .. وهو رهين المحبسين . ويقول الامام الغزالى في الاحياء : المزاح مطايبة وفيه انبساط ، وطيب قلب ، والمنهي عنه هو الافراط فيه ، او المداومة علية، وسمي بالمزاح لانه ازاح صاحبه عن الحق . واما السخرية فمعناها الاستهانة والتحقير ، والتنبيه على العيوب والنواقص ، على وجه مضحك، وقد يكون ذلك بالمحاكاة،أو بالاشارة والايماء (انتهى) وبعض الصحف لا تقبل الا مقالات السياسة،ولاتحب الا اخبار النكد والتعاسة ، وكل من شتم وعاب ، اعتبروه من كبار الكتاب ، ومن اقترب من المداعبة، افضوا به الى المباعدة، والشاعر العربي يقول: افد طبعك المكدود بالجد راحة بلهو وعلله بشيء من المزح ولكن اذا اعطيته المزح فليكن بمقدار مايعطى الطعام من الملح اما المزاح الزائد عن الحد ، فلا يعجب احد ، وقد قال حكيم : لكل شيء بذر ، وبذر العداوة المزاح ، وفي المستطرف للابشهي ، ان امير المؤمنين عمر رضي الله عنه كتب الى بعض عماله : امنعوا الناس من المزاح ، فإنه يذهب المروءة ، ويوغر الصدور ، وقال امير المؤمنين علي كرم الله وجهه : اياك ان تذكر من الكلام مايكون مضحكا، وان حكيت ذلك عن غيرك .وقال الاحنف : كثرة الضحك تذهب الهيبة، وكثرة المزاح تذهب المروءة . وقال شاعر: فاياك اياك المزاح فإنه يجري عليك الطفل والرجل النذلا ويذهب ماء الوجه بعد بهائه ويورث بعد العز صاحبه ذلا والمداعبة لابد ان تراعي الادب ، وقلة العتب ، قال القلقشندي في صبح الاعشى : الاحسن بأهل الوداد والصفاء ، ان يتنزهوا في المداعبة الدائرة بينهم ، عن بذىء اللفظ ومفحشه،ومؤلم الخطاب ومقذعه،والامن من الكلام الذي ربما قدح في النفس ، واحمى الصدر ، ونقل عن التوادد الى التضادد ، وعن التداني الى التباعد (انتهى). بل ان المداعبة كانت موجودة حتى في ايام الصحابة رضوان الله عليهم،فهذا نعيم الانصاري ، اشتهر في المدينة بدعاباته ومنها انه قاد مرة مخرمة بن نوفل ، وهو اعمى ليبول ، فوضعه في مؤخرة المسجد ، فصاح به الناس :تبول في المسجد فغضب نوفل ، وقرر ضرب نعيمان بعكازه ،فجاءه نعيمان بعد فترة وقال له : هل لك في نعيمان تضربه ؟ فقال نعم فقاده الى الخليفة عثمان رضي الله عنه،وكان يصلي بالمسجد ،فعلاه بعصاه ،فصاح الناس تضرب امير المؤمنين! وفي كل العصور امثال نعيمان الانصارى ، الا ان دعابتهم دعابة فضل وخلق ، ليس فيها سفاهة او بذاءة ، او غشيان محرم ، او ارتكاب منكر .