يُقال إن المروءة اسم جامع للمحاسن كلها ، ومن كملت مروءته فقد كملت رجولته وعلا مقامه. ولذا قال الشاعر: وإذا الفتى جمع المروءة والتقى=وحوى مع الأدب الحياء فقد كمل وفرّق حكيم بين العقل والمروءة ، فقال: (العقل يأمرك بالأنفع ، والمروءة تأمرك بالأجمل). فيا حسرتى على من لا عقل له ولا مروءة . وقد يمر على البشرية زمن لا أراه بعيداً يصدق فيه قول الشاعر : مررت على المروءة وهي تبكى=فقلت: علام تنتحب الفتاة؟ فقالت: كيف لا أبكي وأهلي=جميعاً دون خلق الله ماتوا وعجبت لناصح يظن معظم خوارم المروءة ما ظهر من التصرفات التي قد لا تكون حسنة لكن لا أراها خارمة للمروءة بقدر ما تخرمها تصرفات القلب واللسان. وبقدر ما يطعن فيها الفعل السلبي تجاه ظلم فادح أو خطأ متعمد أو سلوك مقزز مع القدرة على تحرك إيجابي يحد من آثار هذا الظلم أو الخطأ أو السلوك. صاحبنا الناصح ذكر تسعاً من الخوارم خص الثمانية الأولى منها بتصرفات قد لا تكون مستحبة. لكني أحسبها من اللمم المغفور إن اكتملت في فاعلها معاني المروءة القلبية السلوكية تجاه الآخرين. مثلاً حصر الناصح العزيز الخوارم الثمانية في كثرة المزاح والمداعبة والضحك ، والأكل والشرب ماشياً في الأسواق ، ومضغ اللبان ، وتناول الطعام بنهم شديد ، والتجشوء بصوت مرتفع ، وارتداء الملابس غير المحترمة ، وقص الشعر بأشكال غريبة ، والخوض في الحديث المخل بالآداب. ويبدو أن هذا التصور جزء من ثقافة التشدد التي يعيشها المجتمع ، كما هي برهان على مدى اهتمامنا بالشكليات على حساب الأخلاقيات التي تضبط حضارية المجتمع ورقيه وتمدنه. مشكلتنا أننا (بصريون) 90% حين نحكم على الآخرين ، فيسهل علينا مثلاً تقرير أن فلاناً (لا يصلح) لأنه يمضغ اللبان أو يكثر المزاح ، بينما فلان (ممتاز) لكونه صاحب لحية كثة ووجه متجهم وثوب قصير. وأما التاسعة المخلة بالمروءة فذكر الناصح أنها الكذب والخداع والتحايل وفيها صدق وأحسن. وأزيده من الصفات النبوية العظيمة ، دفع الظلم وإغاثة الملهوف ورفع الكربات وصلة الأرحام وقول الحق مهما كان مراً.