ليلة فاحت فيها رائحة البرتقال الزكية المنعشة فاختلطت بذرات الهواء لتوقظ العيون الغافية وتنبه القلوب الغافلة وتحيي المشاعر المندثرة في أعماق النفس، ثلاث ساعات قضتها الحاضرات - في كلية دار الحكمة – مشاهدات ومتابعات لمسرحية (كرائحة البرتقال) التي نقلتنا إلى أرض فلسطين الحبيبة المشهورة ببرتقالها المتميز المثمر مرات عديدة كل عام ، حيث تمثل شجرة البرتقال لكل فلسطيني الأرض المعطاء وتجذر الإنتماء فهي بالنسبة له إستمرار الحياة. وتدور قصة المسرحية حول الشابةالفلسطينية لمى التي كرست حياتها لخدمة الآخرين وأختها أمل مع إبنها أحمد القادمين من أمريكا مع صديقتها ماريان، وكان مشهد وصولهم إلى المعبر لدخول فلسطين يصور ما يلقاه المواطنين من تعسف وظلم الاحتلال، وكانت هناك سيدة مسنة تقرأ الجريدة وفجأة ترفع صوتها: بيقولوا .. بيقولوا .. أن .... وتذكر خبر بعكس ماهو في الواقع!! وتعلق السامعات عليها بأنها تمسك الجريدة بالمقلوب فتقول لهن: أعمل أيه إذا كان كل الأمور ماشية هيك.. نعم إنها المفارقات المضحكة المبكية!! ومشهد آخرمؤثر تظهر فيه إمرأة ضريرة تجهز الأعلام الخضراء وتزينها بعبارة التوحيد لتكون غطاء للشهداء! أما المشهد الذي أثر في بشكل خاص .. الفتاة المريضة التي تبحث أمها لها عن علاج، وحين وصل الإذن بالعلاج متأخراً كانت قضت نحبها وانتقلت لربها!! فقد مر بي هذا الموقف شخصياً حيث كنت أسعى لعلاج طفل فلسطيني إسمه إسلام وبذلت ما بوسعي - وكتبت مقال عنه - لكنه توفي قبل أن يصل الإذن بالعلاج!! رحمه الله وكل أطفال وشهداء الأرض المباركة. وتتوالى الأحداث بين الشخصيات المختلفة والمواقف المتباينة حتى تصل إلى الذروة حين نظن أن هناك خيانة من أمل لوطنها،لكن تفاجئنا النهاية بعكس ذلك فهي تضحي بنفسها هي وأختها وصديقتاهما لتبقى فلسطين حية أبية لاتستلم أبداً.. البرتقال يعطي نفسه للآخرين وبرتقالة واحدة تضحي بنفسها لتعيش الشجرة، وكذلك الفلسطيني يعطي نفسه لوطنه دون ثمن ليعيش ويبقى من بعده لأبناؤه، هذا هو مغزى إختيارالعنوان وقد كان مناسباً وموفقاً إلى حد كبير. بارك الله في كل من شارك لإخراج هذا العمل الرائع للنور وجزاهم خيراً. ومرحباً بكل فن هادف ومشرف كهذا يبني ويرفع ويشفع. [email protected]