كارثة سيول جدة كشّفت كثير من ملفات الفساد وأسقطت الحصانة عن الفاسدين بعد أن أطلق خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز قاعدة " كائناً من كان "،وتشكيل لجنة وأخرى لتقصي الحقائق من شأنها تحديد الجناة والفاسدين ومعاقبتهم،هذا على صعيد الإدارات والأفراد ، لكن يبقى عنصرا أخر بعيدا عن الأعين قد يكون مسؤولاً بنفس القدر عن تلك الكارثة وغيرها, ألا وهو الأنظمة والقوانين، فالثغرات الموجودة في بعضها تجعل منه سبيل لتسلل ضعاف النفوس إلى دهاليز الفساد، لذا فإن المراجعة الدورية والمستمرة للأنظمة والقوانين وتحديثها بما يتناسب وتطور الزمن وتغير الظروف وملائمتها مع الواقع هي السبيل لتلافي كل ذلك. لا شك بأن الفساد الإداري والمالي المتفشي كان السبب الرئيس في كارثة سيول جدة لكن المخالفات التي تمت في تلك المناطق من بناء من غير رخصة تسبب في ظهور العشوائيات إلى البناء في مجاري السيول والأودية وغيره كل ذلك كان بسبب القصور في الأنظمة، ولم أكتب اليوم للحديث عن الكارثة رغم أهميتها فالأمر موكل إلى لجنة للتحقيق وعلى ضوء النتائج والقرارات التي تصدر عنها سيتحدد مدى الرغبة في مكافحة الفساد,ما يعنيني في هذا المقال هو الأنظمة والقوانين حيث أنها تلعب دوراً هاماً في تنظيم العلاقات بين المجاهيل المختلفة ,لذا فإن أي قصور في تلك الأنظمة من ناحية صياغتها أو مضمونها أو تطبيقها فإنه يحدث خللاً في تلك العلاقة ، فعلى سبيل المثال لا الحصر لائحة الغرامات والجزاءات عن المخالفات البلدية الصادرة بقرار مجلس الوزراء رقم (218) في 6/8/1422ه والتعليمات التنفيذية لها والذي يتحدث في المجموعة الرابعة منه عن مخالفات البناء ، البنود 4/1 ، 4/2 ،4/3 في تلك اللائحة تنص على " إذا كان المبنى مقاماً بدون رخصة بناء وكان مخالفا أو غير مخالف لأنظمة البناء فتتم إزالة المخالفة مع غرامة تتراوح بين3.000 – 10,000 ريال. أما إذا تعذر إزالة المخالفة بشهادة من مكتب هندسي !!! بسيطة، تدفع مخالفة تتراوح بين ربع إلى نصف تكاليف البناء المقام (حسب وضعه مخالفاً أو غير مخالفاً لأنظمة البناء) يتم بعدها تصحيح وضعه أي "شرعنة المخالفة", أما التعليمات التنفيذية بخصوص مخالفات البناء فالبند 3/4/3 ينص على"" يتم تقدير سعر المتر المربع للمبنى الذي يتم على أساسه إحتساب الغرامات"" ( نصف التكلفة أو ربع التكلفة ) ويراجع بصفة دورية حسب الأسعار السائدة في المنطقة مع الأخذ في الإعتبار نوعية البناء المخالف وحالته ( كامل التشطيب ، تحت التشطيب ، عظم ،..............) ما معنى ذلك ؟ إن المخالفة تحسب على تكاليف البناء حسب حالة البناء وقت ضبطه مع أن المخالف سيعمد على تشطيبه للإستفادة منه،وكأن النظام يشجع على المخالفة ، فالمواطن الذي لم يمنح الرخصة التي على مزاجه بإمكانه أن ينشئ الهيكل الخرساني (العظم ) ثم يقوم بإستدعاء البلدية ليدفع المخالفة (ربع-نصف) من تكاليف البناء وقت ضبطه (العظم) فيتم تصحيح الوضع ويكمل تشطيب المخالفة بالنظام. إن المراجعة المستمرة للأنظمة والقوانين وتفعيل قرار مجلس الوزراء رقم (25) وتاريخ 29/2/1409ه الذي يتضمن في مادته الثانية ( أن يعاد النظر في اللائحة والجدول المرفق بها بعد مضي ثلاث سنوات من تاريخ نفاذها) لسوف يحد من عدد العشوائيات وتكرار ماسبق . فاكس 6602228 02