رشا وهي تتصفح معي صفحة الرأي في صحيفة البلاد الإلكترونية لعدد يوم 14 /1/ 2010 لفت نظرها ما كتبته السيدة هند باغفار عن نبتة الشاي وموطنها وتصنيع أوراقها ، وسألتني ما ذا أضيف على هذا المقال الذي جمع فحوى وقد أمضيت سنين عديدة في بلاد مشرق الشمس حيث الشاي هو شرابهم الأول؟ قلت لها هو شرابهم الأول حارا وباردا وفي كل المناسبات، ويتفوق على كل ما عداه من المشروبات بما يتمتع به من مراسم عند تقديمه ، ولا زلت أذكر صيف عام 1964 في طوكيو وهي تستضيف الألعاب الأولمبية و شيدت العديد من الفنادق لاستيعاب مئات الألوف من زوارها، ومن بين تلك الفنادق نيو أوتاني هوتيل الذي يتميز بحديقته اليابانية البديعة التنسيق . وقتها، وللترفيه عن نزلاء الفندق، كانت تقام في ردهته الرئيسية طقوس حفل الشاي عصر كل يوم، وكنا، نحن أعضاء السفارة، نغتنم انتهاء الدوام فنهرع إلى فندق نيو أوتاني لنشاهد طقوس تقديم الشاي يقوم بها خبير أو خبيرة في الإعداد من غلي الماء في وعاء خاص إلى إعداد الأكواب الخزفية الشبيهة بزبادي الشوربة البديعة النقش والزخرفة، فإلى مسح حوافي الكوب بمنديل نظيف، ووضع الكمية المناسبة من مسحوق الشاي الأخضر فيه وإضافة الماء الساخن عليه وإذابته بمضرب على شكل فرشة الحلاقة إلى أن يتخذ شكل وكثافة الملوخية الخضراء الناعمة المسلوقة، ومن ثم تقوم فتاة ترتدي اللباس الياباني التقليدي بتقديم الفنجان ، قاطعة الخطوات التي تفصل معد الشاي عن من سيقدم له الفنجان بخطوات تتبعها بتدوير الكوب بين يدينا للتمتع بما على حوافه وجوانبه من زخارف ونقوش وما في صنعته من ذوق وإبداع ومن ثم نشرب الشاي ولو على مضض في البداية لمرارته وكثافة مزيجه إذ لم نتعود على شرب الشاي بدون سكر وبهذا التركيز. طقوس لا عهد لنا بمثيل لها، فطقوس الشاي التي عرفناها منذ وعينا على دنيانا كانت أن يقوم كبير أو كبيرة العائلة بأخذ الركن المعد لإعداد الشاي في المجلس، وأمامه السماور ، وعدد من براريد الشاي، ومن الفناجين ، ووعاء للغسل ، وعلب للشاي من أخضر إلى أسود، ومطيبات عطرية كالورد والياسمين والدوش والنوامة ، والنعناع بنوعيه المديني و المغربي وكذلك مجموعة من البهارات كالهيل والقرنفل والزنجبيل إذا كان الفصل شتاء. وما أن يستقر كبير العائلة في جلسته ويبدأ بالتسمية: بسم الله الرحمن الرحيم حتى تجد جميع من في المجلس قد أخذوا أمكنتهم وتطلعوا بهدوء وتركيز على مراحل تحضير براد الشاي، من إلقاء الجمر في فتحة السماور الممتلئ بالماء، إلى غسل الفناجين بالماء وتنشيفها بفوطة نظيفة، إلى تلقيم البراد بالشاي المطلوب إعداده في البداية أخضر أو أسود، إلى وضع البراد فوق فتحة بيت الفحم في السماور ليتخمر ومن ثم يصب الشاي في الفناجين ويحلى بالسكر الناصع البياض ويقدم للحضور، وقد يتبع البراد الأول عدة براريد مطيبة ومبهرة وفقا للفصل شتاء أو صيفا وطبقا للتوقيت إذا كان بعد وجبة طعام أو في عصرية. تساءلت رشا عن مبرر إضافتنا السكر إلى الشاي مع أنه في موطنه الأصلي يشرب بدون إضافة السكر فأجبتها بقناعتي الشخصية وهي أن كافة البلدان المنتجة للشاي في شرق آسيا ووسطها كانت تحت الاحتلال البريطاني وهو الذي أقام المصانع والشركات لتعبئة الشاي والترويج له في كافة بلدان العالم، وأدرك وقتها أن تحكمه بتجارة الشاي لن يدوم طويلا فأدخل السكر على الشاي، وبهذا يكون قد سوق من السكر وهو منتج غربي ما قيمته أضعافا عديدة من قيمة الشاي المستورد من الشرق. وقادنا الحديث إلى تحضير فنجان شاي بالزنجبيل فنحن في عز الشتاء وبرد هذا العام قارص يتطلب الدفء.