هناك مسافة قريبة من الأحاسيس يصل من خلالها المتحابون متى ما صدقت مشاعرهم وتعبر القلوب على جسور الحب العفيف الطاهر ليدوم الوفاق والعطاء والسعادة. هكذا كانت تداعيات اللحظة على هامش لقاء قريب جمعني بالصديق الأستاذ محمد صادق دياب، كان اللقاء يدفعنا للمزيد من الحديث وما أجمله حين يرافقك محمد صادق نحو ضفافه البعيدة، تذكرت معه ذلك البيت الشعري حين استشهد به ذات مقال وكان لا يعرف من قائله أو متى قيل: قالت بنات الحي يا سلمى وإن.. كان فقيرا مُعدما قالت وإن لقد علق عليه قائلا (من المؤكد أن هذا البيت قد قيل في زمن لم تسلبْ فيه الماديات براءة العشاق) لكن الأيام ما لبثت أن تذهب بعيدا حتى أتت على حين غفلة بقصة جميلة أعادتنا إلى الزمن الذي قيل فيه هذا البيت لتبدد قناعة أستاذنا دياب فقد طالعتنا الصحف بقصة زفاف الداعية عبدالله بانعمة الذي تعرض إلى حادثة غرق قبل سنوات أصيب على إثره بشلل كامل أقعده عن الحركة ليتفرغ من بعدها للدعوة إلى سبيل الله يجوب أصقاع الدنيا ناشرا رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وجاء في تفاصيل قصته أنه ومن خلال متابعة إحدى الفتيات لحلقة تلفزيونية يدور محورها حول رحلته في الدعوة إلى الله تعلق قلبها به وقاربت بين مشاعرها النقية لتخبر والدها عن رغبتها الجامحة في الاقتران به رغم إعاقته الكاملة ضاربة بعرض الحائط كل الأحلام التي تبحث عنها الفتيات في هذه الدنيا المتقلبة العجيبة من الثراء إلى المظهر والجمال راسمة للعيان أجمل المُثل والقيم ليكتب الله لهما التوفيق وتشهد جدة ليلة زفافهما في حفل ساهر ملأ الأرض سعادة وبهاء. لقد نسفت هذه الفتاة كل تقاليد المادة والبهرجة وآنست القرب من عبدالله يحثها إلى ذلك حُسن توجهه ومخبره وقبل هذا دينه وسمو رسالته. لم تنظر هذه الفتاة لإعاقته بقدر ما كان مقياسها يمحّص الذات المؤمنة متمثلة قول رسولنا الكريم إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه لقد جاءت هذه القصة لتفتح أعين المجتمع على أشياء مغلوطة كُرست بمفهومها الخطأ عبر السنين لتصبح تقليدا مُقدسا فالطلاق الذي ينتشر ومعه قضايا الخلع وحالات عدم الرضا له مسببات كثيرة وإن كان أهمها من وجهة نظري عدم الاختيار الصحيح لشريك الحياة فالماديات أصبحت مسيطرة على الناس وباتت أولوية حتمية تتبعها في ذلك قوائم مطولة من مخلفات التعصب والمركز والجاه وللأسف يأتي هذا كله على حساب الدين والأخلاق وبطبيعة الحال النتائج المؤسفة نلمسها سنويا من خلال التقارير والدراسات الاجتماعية المعنية بشؤون الأسرة فما زالت تطالعنا بأخبار نسب الطلاق المتزايدة المخيفة. نحن لا ننكر دور المادة وما يرافقها من معايير ولكن من المهم ألاَّ يكون ذلك على حساب أخلاقيات الفرد وسلوكه فما فائدة المال الوفير والمنظر الحسن إن لم يكونا مقرونين بأخلاق فاضلة وسيرة طيبة. إن انعكاس الاختيار السليم لشريك الحياة له أثره في ديمومة الحياة بين الطرفين وفي إتمام دورهما في تربية الأبناء تربية سليمة في سبيل صلاحهم في الدنيا والآخرة لقد نظرت هذه الفتاة إلى صلاح هذا الرجل فكسرت كل القيود في سبيل إكمالها لرحلة العمر برفقته، لقد دعوت لهما بالتوفيق والبركة.. كان ذلك عندما داعب الفكر الخاطر.. وأرقبُ الأضواء تتخافت ومحمد صادق واقف ليودعني. غادرت المكان تاركا بقايا الحديث ليُذيبها الصباح وتتماهى مع النسيم. [email protected]