اعتاد العم سالم أن يدق باب ذكرياته بحنين . هكذا مذ عرفته كلما شغله التفكير سافر إلى البعيد ليغتسل من دنس الأيام ويصفو مع نفسه النقية.. يسكب الدمع على ما فات ثم يمضي في سبات عميق .لم يشأ أن يختط لنفسه طريقا في هذه الدنيا الوعرة، لقد اتخذ من دكة بيته المتهالك مقرا له يزاول فيه الصمت بعد أن تركه كل شيء..بعد أن تركته زوجته التي أحب وابنه الأكبر ورفاقه الذين كان يظن ذات يوم بأنهم ملاذه الآمن. لم تمهله الأيام ليرشيها بشيء من المال أو الزيف بغية أن تتسامح معه لقد عاندها لأن لديه مبدأ وموقفاً ويكره التلون والنفاق لذا لم تمنحه فرصة أخيرة لقد أجهزت عليه وبات مذبوح العواطف. كان يشارك أهل بلدته في الأفراح والأتراح.لم يعرف مهنة جعلته يحس بطعم الدنيا سوى كتابته للمعاريض. كان يفترش دكة بيته من بعد العصر وحتى منتصف الليل يعيش مع الناس يكتب بلسان حالهم يستشعر الألم فيهم يدمع من وقع الوجع والظلم على الضعفاء هكذا مضى سيره في هذه الدنيا الناكرة للجميل. لم يكن شيئا يوازي حجم فرحته حين يكون لكتابته تأثير لدى المسئول كأن تكون سببا في مسح دمعة على خد محتاج أو مظلوم. هذه ببساطة تفاصيل حياة هذا الرجل الذي طحنته الأيام ولم يقدّره أحد.إنه كاتب معاريض ميّزه إحساسه الصادق في زمن اللا صدق، اليوم يرهقه المرض وتبكيه هموم الحياة إن قصته تمثل حال كل صادقٍ ووفيّ نقش حقيقة مواقفه في الوجدان بيد أن البعض صموا عنه الأذان وابتعدوا عنه. غريبة هذه الدنيا وغريب حال البعض فيها. ستظل المعادلة الإنسانية خاطئة الترتيب ما دام فينا من ينكر الجميل إنها معادلة غير متكافئة تحتاج إلى عوامل مساعدة ليتم التفاعل بشكل طبيعي بين بني البشر، انظروا في محيط الحي أو المجتمع أو الأقارب وقولوا لي كم واحدا يشابه العم سالم؟. كم واحدا حاله أقرب إلى غريب توهته الأيام وما زال يبحث عن وطن يعود إليه؟ كم واحدا أرهقه الوقوف عند الأشياء التي لا يحب أن يكون في تحدٍ معها؟ كم واحدا في حساب أيامه سقوط متوالٍ أفقده الثقة في الآخرين؟. [email protected]