عندما تدخل الى مقهى "الحرافيش" يعود بك الزمن للماضي وترى ذلك في كل شيء في أماكن الجلوس و"الارجيلة" وحتى "براد الشاي" والجدار القديم الذي عُلقت عليه صور مشاهير الأدب والثقافة والفن في مصر والعالم العربي.. كل قديم تجده في "الحرافيش" والتي استغلت موقعاً لها اليوم في القاهرة في شارع فيصل بالجيزة. الفنان د. فخري سألت عن صاحب المقهى ووجدت رجلا فارع الطول كسا الشعر الأبيض لحيته ورأسه عرفني بنفسه أنا الدكتور الفنان فخري يوسف "فنان تشكيلي" وصاحب "الحرافيش". لماذا حرافيش؟ يقول د. فخري معنى "الحرافيش" الناس الأشد فقرا والاسم يعود الى ايام المماليك وتحت مسؤوليتي منذ عام 1991م واحرص على ان يبقى على قدمه في كل شيء لأن هذه الصورة هي التي كانت من عشرات بل مئات السنوات ومعنى حرافيش حارة مافيش.. يقول د. فخري أي ان هؤلاء الذين اطلق عليهم الاسم حتى انه ليست لهم حارة من شدة الفقر. الجبرتي ويمضي الفنان د. فخري : ظهرت كلمة الحرافيش في كتابات "الجبرتي" ليصف بها فقراء الشعب المصري في عهد المماليك ثم ظهرت مرة أخرى في كتابات "رفاعة الطهطاوي" ليصف بها مقاهي الفنانين والمثقفين في فرنسا.. ثم ظهرت ثالثة كاسم اطلقه الفنان "أحمد مظهر" على شلة من أدباء وفناني مصر مثل نجيب محفوظ وتوفيق صالح وعادل كامل وجمال الغيطاني ومحمد عفيفي وصلاح جاهين وبهجت عثمان وفي المرة الرابعة ظهرت كعنوان لعمل أدبي عظيم لأديب نوبل نجيب محفوظ وهو "ملحمة الحرافيش" وكان ظهورها الخامس كاسم لمقهى ادبي فني ثقافي أملكه اليوم في القاهرة في شارع فيصل بالجيزة. أنشطة مختلفة وللحرافيش انشطة فنية "غنائية" مساء كل يوم ومسابقات ثقافية وأخرى للرياضات الذهنية. رواد الحرافيش يقول د. فخري وهو يشير لي الى مكان في أقصى يمين المكان هنا مكان نجيب محفوظ الليلي وهنا محمد جلال عبد القوي ويوسف معاطي واسامة انور عكاشة وغيرهم. برنامج المساء بداية من الساعة الثانية عشرة يبدأ البرنامج الفني للحرافيش لا.. مكرفونات لا.. احاديث جانبية.. إنصات للاستماع الى الاستاذ "الموجي" وهو مؤدٍ وعازف ناي فقد بصره ومن سنوات وهو فنان يجيد التعامل مع مقامات الألوان القديمة ويجلس بجواره الفنان العويد وصاحب الصوت محمود الفقي وثالثهم الفنان محمود حمدي.. وضابط الرق الفنان مدحت ويشكلون مجموعة متناغمة تنضم اليهم في بعض الليالي فنانة فقدت بصرها ولم تفقد صوتها اسمها "نورة". مين عذبك يمتاز الحرافيش بأنه "استديو" قديم يقدم اغاني الخمسينات والستينات الميلادية للفنانين الكبار حتى الذين لا يعرفهم جيل اليوم ومن ذلك ألوان "الموشحات" وما يطلبه الحضور. أم كلثوم وعبدالوهاب أم كلثوم، عبدالوهاب، عبدالحليم، نجاة الصغيرة، شادية، عبدالمطلب، محرم فؤاد، اسمهان، وردة، محمد فوزي، وغيرهم تسمع اعمالهم الجميلة القديمة في "الحرافيش" بأداء هادئ من مجموعة الفنان "الفقي". إصغاء يحترم كثير من رواد "الحرافيش" نظام المكان ورغبة الفنانين بأهمية الاصغاء والاستماع لأعمالهم. من الحرافيش للورد في مكان آخر في ليل القاهرة وفي باب الفتوح هناك مكان هادئ جدا داخل حي قديم ويسمى "اللورد" المكان عبارة عن جلسات واثاث وصور قديمة. جمال عبدالناصر تتصدر الصور القديمة الموجودة صورة الزعيم جمال عبدالناصر زعيم مصر يرحمه الله وصور لآلات قديمة طربية ومقاعد قديمة للجلوس ويقدم الشاي في أوانٍ قديمة. حسام الراوي في اللورد نجد الفنان الشاب صاحب الصوت الرخيم والأداء المتقن للفن واللون القديم الفنان حسام الراوي يجيد ويحفظ كلمات أغاني الخمسينات والستينات الميلادية. النيل الخالد يستطيع حسام ان يلبي رغبة الحضور والذين لا يتجاوزون "العشرة" إذ ان المكان لا يسع لأكثر من ذلك ويغني حسام ممسكاً بعوده القديم ويساعده صوته وأداؤه الجميل الممتع. بعيد عنك يشدو حسام بالنيل الخالد وبعيد عنك ويا وحشني رد عليَّ ويا وابور رايح على فين، وامل حياتي، ويغني لأم كلثوم وعبدالوهاب وعبدالحليم ومحرم فؤاد ووردة ونجاة ومع ظروف المكان لا تسمع الا صوت حسام والذي يجعلك تعيش الصورة القديمة لأكثر من نصف قرن لجودة وحُسن الأداء بعيداً عن أغاني الزمن الحاضر التي لا يعرف الفنانون في الحرافيش واللورد شيئاً منها. الزمن الجميل اغاني الزمن الجميل في الحرافيش واللورد وغيرها في ليل مصر تعيدك لسماع الغناء الأصيل المكتمل الكلمات واللحن والأداء. مصر وفي مصر الثقافة والفن والغناء والأوبرا والاهرامات.. ولا شيء غير ذلك فالصورة لمصر يجب أن تظل محصورة في الفن والغناء والثقافة والليل والنيل.. هذا يكفي وما عدا ذلك ربما نتحدث عنه لاحقاً لأنه صورة مختلفة.