.. احتجت ذات مساء للسؤال عن صديق قديم من 30 عاماً او تزيد غاب عني من مدة طويلة ربما 20 عاما، رفعت سماعة الهاتف وكان من رفعت السماعة "زوجته" أم طلال وهي من اقربائي أتفق معها من حيث صلة القرباء التي ضاعت معالمها والناس في كر وفر، وبعد السلام والسؤال عن الصحة والأطفال وشيء من العتاب المبطن قلت أين فلااااان؟ قالت لي في تنهيده حزينة حتى انني خشيت أني أتكلم مع سيدة اخرى واختلطت علي الاسماء والمسميات بحكم السن الذي نسأل الله ان يجعل خواتيمنا صالحا فيما يرضى الله. ولكنها بعد "التنهيدة" الطويلة..قالت: انت تبحث عن فلااان وأنا ابحث عنه منذ شهر او ثلاثة لم اسمع عنه شيئا. وأردفت: لأنه امسى واصبح من "رجال الاعمال" كما يقولون ويفخرون ويتشدقون. .. قلت: لماذا انت تبحثين عنه وأنت زوجته والا أنا غلطااان واختلطت علي الامور وشاخ فكري فلم اعد افرق بين الليل والنهار؟ قالت: بلي يا ابن العم.. انه زوجي امام الناس ولن ارى غيره حتى الممات فهو حبي وعشقي ودنياي التي احببتها لكنه سامحه الله واعانه تزوج الدنيا! واردفت: فصاحبك الذي تبحث عنه يغيب عنا أياما طوالاً، واذا سألنا عنه من باب الواجب والعشرة الطويلة والاطفال كان الجواب: ماذا ينقصكم؟ المال موجود والاكل موجود.. والفيلا عامرة بالخدم.. و..و. قلت مخففا عنها زفرتها الحرى: هل هو مريض؟ اعذرونا فأنا لم اسمع شيئا لعلمك ان الدنيا فرقت بين اهلنا ومحبينا الذين احببناهم بصدق ودون مقابل. قالت: لا، لكنه "مريض" بالدنيا.. انه كما يطلقون عليه وعلى امثاله رجل اعماااال.. كلمة كبيرة أليس كذلك؟ فهو على الدوام مشغول لا يجد وقتا حتى للأكل المنزلي فهو له طباخ خاص ومنزل خاص واجتماعات خاصة وربما حياة خاصة. واردفت وصوتها مازال حزينا وكئيباً: انه مشغول.. قلت: يا ابنة العم.. كنت اغبطكم بل واغبطك انت على النعيم ونطلب لكم من الله الرحمة وهدوء البال. قالت: صدقني.. ليتنا كنا فقراء.. فالفقر احيانا لطيف وله مميزات صادقة ونقية. قلت: زدتني فهماً.. يا هذه المرأة الصابرة.. بأن "فقري" مريح والشكوى لغير الله مذلة فأنا اعرف متى اذهب ومتى اجيء وفوق كل ذلك والحمد لله على كل حال.. مازلت حريصاً على حضور "الجماعات" في مساجد الله.. امشي لها ماشياً.. تك تك وخطوة خطوة .. ومن حفرة الى اخرى اسبح الله سائلا ان يديم على امة الاسلام نعمة الامن والامان وصلاح الحال. قالت وهي تكاد ان تبكي: لا تَنْسَنَا من الدعاء.. فالله وحده من نرجوه في اصلاح الحال الى الاحسن ولعل الله تقبل منك صالح الدعاء. ويا أمان الخائفين وحسبنا الله ونعم الوكيل جدة ص.ب 16225