رأيته مطرقاً رأسه مهموماً يكاد ينسى ما حوله اقتربت منه محاولاً إخراجه مما هو فيه فإذا به غارق لأذنيه في تفكير عميق قال بنبرة حزن دفين والهم باد على محياه: الذي حافظت عليه على مر السنين ووضعت فيه كل أحلامي فجأة انهار وذوى قلت أوضح يا صاح فلم أفهم منك شيئاً قال والألم يغلف كلامه: ذهب مع الريح قلت أَبِنْ وأوضح لقد زدتني غموضاً، قال بعد سنوات من الكد والكفاح مع شريكة العمر ورفيقة الدرب وفقنا الله لبناء (فيلا العمر) وعشنا فيها سنوات قليلة في ثبات ونبات فرحين بتحقيق حلم العمر وفجأة أُخبرنا بأن بيتنا ضمن مشروع توسعي للمنطقة التي نسكنها، قلت له وماذا في ذلك قال صاحبي حين جن جنوننا أنا وزوجتي وأحسسنا بأن الحلم الذي بنيناه قد شارف على الانهيار بل نحن الذين قاربنا على الانهيار قلت مجيباً هوِّن عليك يا صاح ولا تحمّل الأمر فوق طاقته فهذه هي الدنيا كما عرفناها وعهدناها وعرفها من قبلنا من ساءته يوما سرته أيّاما. وربّت على كتفه وقلت له دائماً انظر إلى الجزء المملوء من الكوب قال كيف قلت صحيح أن منزل العمر فجأة ذهب مع الريح -كما تقول- في مشروع التوسعة لكن ألست أنت في خير وزوجتك وأبناؤك قال لي الحمد لله على ذلك قلت إذاً فيمَ الضجر وعلامَ القلق؟! دع الأمور تجري في أعنتها، قال وهل تعني ما تقول قلت ثم ألم تسمع أو تقرأ أو تعرف أناسا فقدوا أموالهم في الأسهم أو خسرت تجارتهم وأموالهم فجأة وهناك من فقد فلذة كبده في حادث أو عزيز لديه ما شابه ومع ذلك سارت الحياة واستمرت فاحمد الله على ما أصابك وإن أصابك في أمر يعز عليك، وتذكر قول الحق عز وجل (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ) أسرع صاحبي بقوله وأنعم بالله عز وجل فأردفت قائلاً وذكرته بقول مدبر الأمور ومصرف الدهور في قوله تعالى (سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا).. أطرق صاحبي برهة وأحسست ساعتها أن كلامي وقع من نفسه موقعاً حسناً ورأيته وكأنه كان في غيبوبة وفجأة أفاق منها بعد سماع الآيتين الكريمتين فاسترجع وقال إنا لله وإنا إليه راجعون نهض من مجلسه مسرعاً وهو يلملم أغراضه ويصلح هندامه وكأنه وُلدَ من جديد وهو يقول نعم صدقت يا صاح لابد للحياة أن تستمر ولابد للشمس أن تشرق ويكون هناك دائماً يوم جديد، قلت وأنا أتابعه بنظراتي تذكر قول المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى (اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها) فأخذ يرددها وهو ينصرف عائداً لمنزله لعله يبث نفس هذا الشعور المريح الذي أحس به لأهل بيته وأولاده. رسالة: كل ليل طويل وله آخر ولابد من بزوغ الفجر بعد ظلام دامس.