بلغت ميزانية بعض المشروعات الضخمة التي ستبرز الى الوجود هذا العام خمسين مليونا من الريالات وهو اعظم مبلغ ينفق حتى الآن للإصلاحات في هذه البلاد جملة واحدة ولو سارت الحكومة على هذا الطريق في كل سنة وقدمت للأمة مشروعات حية كهذه لغدت بلادنا في عديد من السنوات في مقدمة البلدان المتحضرة. غير أنني أرى أن أول مشروع ضخم يجب البدء فيه قبل مشروع إضاءة مكةوجدة بالكهرباء وقبل المنشآت العمرانية ورصف طريق الطائف هو مشروع الماء والمجاري. فالماء عندنا موفور يفيض عن الكفاية غير أن الطريقة التي تحصل بها سيئة الى حد بعيد، فسبيله الذي يمر به حتى يصل الينا بمكة مكشوف للهواء، والصفائح والقرب التي تحمله الى بيوتنا لا تخلو من جراثيم تحمل أثرها في قتل النفوس أو ارهاق الجسوم ونشر الأوبئة والأمراض، والأيدي القذرة لا تمتنع عن لمس الماء ولا يمتنع اصحابها عن تغطيسها فيه، ولا يستطيع أحد أن يزعم أن إخواننا السائقين يعنون بالنظافة بحال من الاحوال ومهما صنعت إدارة عين زبيدة معهم فإن النظافة المطلوبة لا يمكن توفرها فيهم وفي مائهم ولكن الحاجة تضطرنا الى شرب الماء الذي يحملونه الينا، وما على المضطر من حرج إن أكل من الميتة وما نحب ان نعيش الى الأبد مضطرين. وليس مبعث الخطر من سير الماء في مجرى مكشوف والسائقين فحسب بل البيوت نفسها تشترك في الخطر عن طريق "الأزيار" التي نضع فيها الماء على الماء ولا نتولاها بالتنظيف الا كل اسبوع أو اسبوعين اما الحنفيات فلا نلتفت اليها إلا في كل عام أو عامين مرة وخيرنا من ينظفها في الحول مرتين أو ثلاثاً، ونحن بهذا نعين الجراثيم على التوالد ونقدم أنفسنا ضحية لها وشجاعة كشجاعة عنترة. والاخطار التي تدهمنا من الماء في غير رفق كثيرة ولا يستطيع أحد أن ينكرها سواء كان مكابراً أو جهولا، فالماء مكشوف في مجاريه المشقوقة في الارض شقا، والناس والدواب يستحمون فيه، والافاعي والحشرات والديدان تنسرب فيه بلا خوف، وتسكن شقوق حائط المجاري ونحن هنا نشرب هذا الماء لولا أن "الغفلة حصانة" لكان له معنا شأن أي شأن، غير أن هذه الحصانة قد نزعت عن أكثرنا بذهاب الغفلة، ولكننا مجبرون على شربه واستعماله لأننا لا نجد غيره! وخير سبيل لضمان النظافة والأمن والصحة التي حث عليها الاسلام ان نعمل للماء انابيب توصله الى بيوتنا بعد تكريره وتصفيته وحينئذ سنشرب ماء صحيا نظيفا. واذا حقق الله هذا المشروع فإن من الحتم صنع "مجاري" للماء المستعمل حتى لا نملأ به الشوارع والاسواق، ونكون منه مستنقعات تتولد فيها الجراثيم والبعوض (الناموس) وحتى تكون الشوارع نظيفة. إن مشروع الماء والمجاري هو المشروع الاول الذي يجب ان نأخذ به، وأظن من المستطاع إرجاء مشروع من مشروعات هذا العام الى عام قابل وإحلال مشروع الماء والمجاري محله. وإذا تم تحقيقه فان خطوتنا الواسعة في سبيل الصحة العامة ستكون خطوة فعالة وسنشرب ماء نظيفا صافيا، وننام نوما هادئا لا يقلقنا البعوض ولا "يهري" أجسامنا بلسعه، بل سيبحث عنه بعض المولعين بالبحوث عندنا فلا يجدونه إلا بصعوبة، وعلى مر الزمن سينقرض، وحينئذ يضطرنا الباحثون الى استيراده من بلاد أخرى كما تستورد جامعات لندن أنواع الذباب من آسيا للبحث والتشريح! لنرجئ مشروع إصلاح طريق الطائف مثلا هذا العام ونحل مكانه مشروعنا الذي كتبنا من أجله هذه الكلمة، فما خصص لذلك من النفقات كفي هذا، والنفع من مشروع الماء والمجاري أعم وأعظم من أي مشروع سواه. ومادمنا لم نبدأ – بعد – في تحقيق مشروعات هذا العام فإن لدينا الوقت الكافي لدراسة الأخذ بأسباب تحقيقه، وسيكون أنفع مشروع لنا وأعظم مشروع لدر المال مدى الحياة.. وفي هذا تعويض لما ينفق فيه مهما كثر فاذا افترضنا أن في مكة 30000 اسرة وكل اسرة تدفع ريالين للماء كل شهر وتضاعف ذلك في الاشهر الثلاثة لموسم الحج فاننا نحصل على 900000 ريال، واذا افترضنا ان كل اسرة تدفع عشرة ريالات كرسم لدخول الانابيب الى منزلها فإننا نحصل على 300000 ريال ويبلغ مجموع ثمن الماء والرسم أكثر من مليون ريال. الواقع ان مشروع الماء أفيد المشروعات وأكثرها ربحا، فيجب البدء به قبل غيره لأن نفعه عام، ومادام مشروع الكهرباء آخذًا سبيله الى الوجود فإن مشروع الماء والمجاري يجب أن يكون قرينه، ويجب البدء في تحقيق المشروعين في وقت واحد، هذا اذا لم نؤثر بالتقديم مشروع الماء. ويمكن تحقيق هذا المشروع بوساطة "شركة وطنية" تؤسس لهذا الغرض وتعطي امتياز الخمس عشرة سنة أو عشرين ثم يكون ملكاً للأمة. هذا رأيي المتواضع أقدمه للحكومة لترى رأيها فيه والله الموفق.