من أجمل الصالونات الاجتماعية في جدة صالون الصديق شحّات مفتي، وهو لمن لا يعرفه إن كان هناك من لا يعرفه! ضابط شرطة متقاعد، أحيل إلى التقاعد برتبة عقيد، وقضى جل خدمته في حقل المرور، في الرياض، ومكة المكرمة، وجدة، وأثناء عمله كمدير في قيادة بعض الإدارات المرورية كانت علاقته بالصحافيين تتأزم في بعض الأحيان، ومع هذا لم يحب الصحافييون رجل مرور في المناطق التي عمل بها في سياق ذلك الزمن بالقدر الذي أحبوا فيه شحات مفتي، فلقد ربطته بجلهم صداقات عميقة قائمة على التكافؤ، فإذا ما التقى الطرفان، وما أكثر ما كانا يلتقيان في سهرات جدة وأسمارها، فإن لسان شحات لا يقل حدة عن أقلامهم، ولا سخريته بأقل من سخريتهم، ولا انتشاره في المجتمع بأقل من انتشار صحفهم، ولذا كانوا يعرفون قدره، ويعرف أقدارهم، وهو للإنصاف كان ملء مركزه التزاما، وعطاء، وحضورا. الكثير من الناس إذا ما أحيلوا إلى التقاعد تتراجع صداقاتهم وتنحسر، لكن شحات مفتي ازداد بالتقاعد وهجا، لأن علاقته بالناس لم تكن تحكمها المصالح، بل حكمتها فطرة محبة لكل الناس، ولذا تجد صالونه الأسبوعي يعج بالكثير من الزملاء، والأصدقاء، والمحبين، ويظل شحّات بينهم كما كان عليه نجم المجلس، رغم منازعات ومناكفات صديقه اللدود الكابتن عبدالله وزنه. لشحات مفتي قلب نقي كالشمس، ونفس مرهفة كالحرير، ولسان منقوع في كل توابل الشرق الحرّاقة، إنه رجل احتلالي يسكن نفسك، وقلبك، وذاكرتك، وتعجز جيوش الأيام والليالي أن تخرجه أو تحّوله إلى كائن قابل للنسيان.. تتذكره فيغمرك شعور بالسعادة، لأن كل ذكرياتك معه ارتبطت بظرفه، ومرحه، ودعابته، وخفة ظله، وأنا أخال شحّات الإنسان القادر دائما على أن يطفو فوق كل الهموم ليمنحك حينما تلتقي به شعورا بالفرح. لكل صديق من أصدقاء شحّات من الأدباء والإعلاميين كخالد الحسيني، ومحمد الفايدي، وعلي حسون، وعبدالمحسن حليت وكاتب هذه السطور لقبه الخاص الذي يطلقه عليه، ولست أدري من أين اختار لي لقب البورجوازي يناديني به، وقد وقع ذات ليلة في ورطة مع والدتي رحمها الله حينما اتصل هاتفيا يسأل عنّي قائلا لها: أين ولدك البرجوازي؟ ولم تدر أمي إن كانت كلمة برجوازي مديحا أو هجاء، وحينما استفسرت منه عن المعنى تورط شحّات في شر تسمياته، وتذرع بانقطاع الخط هربا من البحث عن كلمات يرد بها على سؤالها المباغت والمفاجئ. أكتب اليوم عن شحّات، وأتمنى له حياة جميلة هانئة تليق بطيبته وبهائه.