الكتابة عن الماضي شيء مثير يجعل منك كتلة من العواطف تحرك قلمك ووجدانك، وليس كل كاتب أو أديب يستطيع التوغل في عوالم ذلك الزمن ونبش مخزون الذكريات الساكن فيه وبالأخص أنه زمن يبعد عنك وتبعد عنه،فالكتابة عن الحاضر أمر يسير لأنك تسكنه ويسكنك وتستطيع التواصل مع مجرياته الزمانية والمكانية. ولكنَّ هناك شخصا واحدا يجعلك تعيش الماضي وتشتم رائحته وتشاهد شخصياته بكل وضوح وكأنك كنت معهم لحظة بلحظة إنه الأستاذ محمد صادق دياب. الكاتب الكبير محمد صادق دياب وهو يتحدث عن الهنداوية – مثلاً - يجعل منك قطعة متحركة في تلك الأزقة والحارات العتيقة، يُسكنك البيوت القديمة فتشعر بأن جيرانك هم بدر كريم، وعلى خالد الغامدي، وحسن مجلجل، وسامي إحسان، وعبدالله حجازي، وغيرهم من الشخصيات التي عرفناها من خلال حكايات الشجن الدافئة عن الهنداوية. دياب – مع حفظ الألقاب – يمتلك خيوط الأزمنة ويستطيع تحريكها بحرفية عالية نعجز عن مجاراته فيها، فهو عندما يكتب عن الماضي يخرج من الحاضر ويسند ظهره على سور جدة القديم، ورائحة البحر تعبق بالمكان، وأصوات النوارس تسابق السفن القادمة من خلف الشمس. دياب عندما يكتب لا يجبر الكلمات، بل يدعوها برقة فتنصاع لقلمه، لذلك استطاع أن يبني جسراً نصفه في الماضي ونهايته في الحاضر.