.. كان قادماً «لتوه» من المدينةالمنورة تلك المدينة التي تأخذه نفسه إليها في هذا الشهر الكريم ليقضي آخر أيام الأسبوع في ربوعها ويتناول إفطاره في مسجدها.. ويمتع نفسه بالسلام على اشرف الخلق صلوات الله عليه. كان لتوه قادما من هناك عندما فاتحني قائلا: يا أخي ما هذا الزحام أمام المواجهة الشريفة إنني لم اعرف كيف اسلم على الحبيب من كثرة الناس لقد حاولت أن أتحين أي وقت يكون الزحام خفيفاً فلم افلح، الناس كالسيل الهادر الكل يريد أن يحظى بالوقوف أمام القبر للسلام أليس هناك من حل لهذا الحال من الزحام. قلت: هناك حل سبق أن تطرقت إليه وهو سهل التنفيذ والتطبيق.. وهو يكاد يصرخ: ما هو؟ قلت ببساطة: تحول الإمام من المحراب الحالي الذي يقيم فيه الصلاة إلى محراب «النبي» صلوات الله عليه والموجود في الروضة وان نختصر تلك المساحة الطويلة والممتدة من باب السلام إلى باب «البقيع» والذي فتح حديثاً للسلام فعلى القادمين للسلام على «الرسول» أن يكون دخولهم من باب السلام والذي سمي بهذا الاسم لان الداخل منه ينوي السلام على رسول الله صلوات الله عليه وان يكون خروجهم من باب البقيع المقابل لباب السلام من الجهة الشرقية وان تمنع الصلاة في هذه المنطقة خصوص أن هناك حاجزاً موجوداً يفصل بين هذه المساحة المستطيلة والروضة الشريفة. إن الزحام الشديد الذي يحدث الآن في هذا الشهر لا يقل عن بقية أيام العام فهذه المشكلة تتضخم وفي أيام الحج حيث تزايد الحجاج بالأعداد الكبيرة من المعتمرين والذين أصبحوا طوال العام، كل ذلك يحتم علينا التفكير في وجود حل لهذا الزحام واعتقد أن نقل موقع «الإمام» من المحراب الحالي إلى محراب الرسول في الروضة بل هناك قول آخر وهو نقل المحراب في أيام الحج إلى «الساحة» القبلية وهذه المظلات التي وضعت في تلك الميادين تشجع على أن ينقل الإمام إليها في أيام الحج، إن ذلك فيه الحل المناسب لهذا الزحام الخانق خصوصاً أن ذلك المحراب الذي في الروضة هو محراب الرسول صلوات الله عليه وسلامه فهو الأجدر بأن يؤم الإمام منه المصلين طوال العام والخروج إلى الموقع الجديد أيام الحج للاستفادة من تلك المساحة من الأرض والله المستعان. ... .. أمس ساقتني قدماي إلى وسط «البلد» إلى شارع قابل والخاسكية والعلوي وباب مكة والعيدروس وباب شريف وما حولها من أسواق حديثة مثل «المحمل» والكورنيش وغيرها من الأسواق التي تعج بالحركة.. لقد شعرت أنني في أحد أسواق شرق آسيا وليس في «جدة» لتلك «السحنات» الآسيوية التي كانت تملأ الأمكنة.. لقد بحثت عن وجه أعرفه فكان يرتد إليَّ بصري وهو كسيف، فبرغم انتشار مراكز الأسواق أو ما تَصالحَ على تسميته «بالمولات» في شمال وجنوب وغرب وشرق جدة.. فإن تلك الأسواق القديمة لازالت تحتفظ برائحتها وطبيعتها.. كأن جدة ترفض أن تتخلى عن قديمها كما بقية «المدن» الأخرى التي «فاتت» قديمها فلم تعد أسواقها وأحياؤها وشوارعها القديمة باقية.. لقد ذهبت إلى غير رجعة وأبدلتها بتلك العمارات الإسمنتية التي لا رائحة فيها ولا طعم لها. أين ذلك الشارع اللافت للنظر في المدينةالمنورة شارع «العينية» بكل صوره أين سوق باب المصري الذي يتحول في مثل هذه الأيام إلى مهرجان بهجة وفرح.. أين السوق الصغير في مكة، أين تلك الأحياء العديدة فيها وآخرها الشامية، فهذه جدة لازالت متمسكة بمواقع ذكرياتها. فتعطيها كل العناية كأنها تعمل بذلك المثل الشعبي الجميل الذي يقول: «من فات قديمه تاه».