حجيجة المرأة المكافحة التي تعرفت عليها في زيارتي الأخيرة لينبع، ملامحها الصدق، وكلماتها العزم، ونظراتها التصميم ممزوجة بوداعة سكان ينبع. كانت لنا مدينة ينبع من المحطات التي أسمع عنها في طريقنا لزيارة المدينةالمنورة مع والدي رحمه الله، لكنني لم أتشرف بزيارتها، وفي يوم الخميس الماضي قابلت "حجيجة" التي تعمل "مستخدمة" في باب رزق جميل ومهنة "حجيجة" كان لها مؤيد ورافض في مجتمعنا، ولكنني سأعرض تجربة حجيجة بطريقة لا توقظ نائما ولا تزعج مستيقظا؛ قد يقول القائل أترضين أن تكون مهنة ابنتك أحلام "مستخدمة" والجواب هو"لا"، لكن هناك نساء في أنحاء الوطن لم ينلن القسط المناسب من التعليم وهن في أمس الحاجة للوظيفة والدخل الشهري، وأنا لا أحلم أن أحول نساء الوطن "لمستخدمات" ولكننا كمجتمع نقر بتسمية "الخادمات" اللاتي يأتين في الغالب من دول جنوب شرقي آسيا للعمل، ويعملن 16 ساعة في اليوم، ولا يتمتعن بعطلات نهاية الأسبوع، ولا نقبل بمهنة "حجيجة" التي التحقت بالعمل في باب رزق جميل تعمل 8 ساعات في اليوم، وتحول حلمها إلى حقيقة بعد أن استلمت راتبها وأصبح لها ضمان اجتماعي وطبي. وأعترف أنا شخصيا أن هذه القوة النفسية والشجاعة من"حجيجة"هي من صفات النفس المطمئنة الطامحة للعمل، إن حرمان المرأة من أهليتها للعمل عدوان صارخ وجحود لإنسانيتها. والسؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا نحن ضد مهنة "المستخدمة"؟ وفي هذا السؤال تتحرر ثلاث بنى فكرية ضخمة: الطفرة البترولية التي جعلتنا نشعر أننا مجتمع مختلف وأننا نحن الأعلون في الأرض. والثانية: قدح زناد الشرارة الاجتماعية، إننا نكابر ونعتقد أن جميع النساء في مجتمعنا "معلمات، طبيبات، أستاذات، ممرضات" الخ.. وأنه لا يوجد تسرب في التعليم أو "زيرو تعليم". والثالثة: اننا لا نعتمد على الإحصائيات التفصيلية بل نتعامل مع النسبة العامة 26% من البطالة النسائية. * وأشير في هذا السياق ليس الغياب في مجتمعنا مقصورًا على مهنة مستخدمة، بينما البعض منا غائب ومغيّب عن الحقيقة، فالمجتمع لا يعترف بأن لتلك النسوة حاجة للعمل ويفضل أن تستلم المرأة راتبًا من الضمان الاجتماعي مساعدة من الدولة بدلاً من أن تعمل مستخدمة وتستلم راتبًا من عرق جبينها. إن التغيير الاجتماعي ينطلق مع ممارسة الواجب أكثر من المطالبة بالحقوق، وإن البحث عن الحقيقة يجب أن يكون في مواجهة الحقائق لا أن نطمر رأسنا في التراب كالنعامة.