لماذا.. تزعجنا الحقائق؟ تنتابنا بين الحين والآخر حساسية مفرطة مما تنشره الصحافة اليومية والمحلية رغم أن ما تنشره هذه الصحف يضعنا أمام حالنا وأحوالنا ويوعِّينا بواقعنا ويُنبئنا بمكاننا وأخطائنا وسلبياتنا. جُبل الإنسان منَّا وفي عالمنا العربي على حب التقدير والإعجاب والمدح والثناء ولم يتعوّد على النقد الهادف البنَّاء. أو حتى تقبل التقييم بشتى صوره حتى إن كان ذلك في صالحه وصالح مؤسسته وبلاده ومجتمعه! لهذا كان في مجتمعنا من ينكر على الصحافة دورها في كشف الحقائق وأن تضعه أمام واقعه وحاله ولو كان ذلك بهدفٍ نبيل وغاية هادفة.. لكن للأسف البعض يجد فيها نوعاً من الغصة وهدم الحقيقة والتجاوز على مؤسسته وذاته كمسؤول والتشهير بسلبياته أو مصلحته، والآخر يسيء الاعتقاد بأنها كشف لقدراته في إدارة هذه المؤسسة. من هنا كان حظ الصحفيين تعيساً في بعض دوائرنا ومؤسساتنا ومجتمعنا، فالبعض من هؤلاء المدراء والمسؤولين لا يستقبل الصحفيين ويحاول التهرب منهم، ويجد في أشخاصهم الرقيب والمتصيّد لأخطائه وسلبياته في إدارته، كما يعتبرها كشفا لتسيب موظفيه فهو دائماً ما يطلب من حرّاس إدارته عدم دخول الصحفيين للإدارة أو عدم التصوير وآخرون يطلبون منهم أحياناً كثيرة مصادرة كاميراتهم. فأعجب لمثل هؤلاء المسؤولين.. الذين يطالبون الصحافة بأن تستأذن من المسؤول مقدماً وأخذ موعد مسبق معها ليتهيأ هو وإدارته وأقسامه لاستقبالهم، كما يطالب الصحفيين بإعداد أسئلة يصفها بالهادفة والموضوعية تظهر إدارته بالمظهر اللائق وشخصه بالعبقري. مازلنا ونحن في هذا القرن الواحد والعشرين نهاب الصحافة ونحسب لها ألف حساب! خاصة المسؤولين منَّا، يُريدون أن تنقل لهم واقعاً غير ما هُم عليه من تسيُّب وإهمال ولا مبالاة وإلاّ اعتبرنا الصحافة تستهدف ذلك المسؤول وتحاول أن تنشر أخطاءه وتتصيد تصرفاته وأسلوبه، كما يعتبرها البعض سلطة الترصُّد والعين الساهرة لأخطائه فهي أداة هدم في نظره وظيفتها كشف حال هذا الجهاز لدى الجهات المسؤولة والمختصين والكُتاب، ولذلك التهرب منها أفضل من التسليم إليها. إنهم يخافون من تعليقات المتخصصين فيفضحون المستور ويقفون على حال الضائع والتائه والمتسيب، التي تحاول تلك المؤسسة إخفاءه أو إظهاره في صورة مغايرة لاحظنا الكثير من المديرين أو المسؤولين عامة تصاحبهم خلال أعمالهم فوبيا الصحافة ما دام على هرم السلطة حتى خروجه منها، فهو يدَّعي أن صحافتنا لم تصل إلى المستوى المطلوب من الموضوعية والشفافية والواقعية! رغم أنه هو لم يصل إلى هذا المستوى حتى يطعن في أولئك الذين يعملون للمصلحة العامة. للأسف مازلنا نبكي عالمنا الثالث، فهو يعجُّ بالسلبيات والأخطاء وتأويل الحقائق وتحريف الوقائع لا لشيء سوى لإرضاء حاجة في نفس يعقوب تتغير بتغير نفسية ذلك المسؤول وتتبدل بتبدل الزمان والمكان، فيومًا يدعو الصحافة لمؤتمره الإداري للوقوف على نجاحاته وإنجازاته، ويومًا يُعرض عن الصحافة ويطلب منهم عدم الدخول والإحراج! أما الكتاب الصحفيون فيا عيني عليهم.. فيوما نرضى عنهم ويوما نصفهم بالحاقدين أو المغرضين أو أنهم غير وطنيين.. ويظل الكاتب والصحفي والناقد بين المطرقة والسندان. لابد علينا من تقدير دور الصحافة وإعطائها الأولوية والأهمية، لجعلها السلطة الرابعة لتحقيق غايات المجتمع والوطن والمواطن، وإعادة الحق الضائع والمسؤوليات المسلوبة والأدوار المزدوجة، فقد آن الأوان لأن نضع النقاط على الحروف ونؤكدها ونشكِّلها لإخراجها في الصورة المناسبة لمكانة بلادنا ومجتمعنا ومقدساتنا. فلنا هوية مُميزة ولنا حقوق وإرادة يجب أن تكون الوارث منَّا. كما أؤكد على دور الصحافة والإعلام عموماً فهي التي تبرز للآخرين عمق ثقافتنا وقوة إرادتنا وصدق مبادئنا فما دمت تكتب أيها الصحفي فأنت موجود.. وما دمت تطلب فأنت قادر على البناء والتغيير الهادف البنّاء.. فإذا أردت أن تقف أيها الإنسان على ثقافة وحضارة أي بلدٍ فاقرأ صحافتها لتقف على كيفية حضارتها وطرق تفكيرها وأسلوب نقاشها وعلاجها لمشاكلها. فالصحافة لا أقول منظور الشعوب فقط.. بل هي مرآة العقول.