اهداني اخي العزيز سامي محمد بستاني نسخة من كتاب بعنوان تذكار الحجاز (خطرات ومشاهدات في الحج) بقلم الحاج عبدالعزيز صبري بك وقد حرر 1342ه اي قبل دخول الملك عبدالعزيز لمدينة جدة بعامين وقد طبع الكتاب في المطبعة السلفية في مصر لصاحبها محب الدين الخطيب وعبدالفتاح قشلان. والشيخ محب الدين هو من رجال النهضة العربية وهو سوري وهو خال للشيخ علي الطنطاوي رحمه الله. لقد اطلعت على هذا الكتاب وحاولت ان ألخص منه ما يخص مدينة جدة رعاها الله واهلها. والكتاب مجموعة من المقالات والقصائد وقد بدأ الكاتب كتابه بقصيدة له مطلعها: لله تذكار الحجاز فمكة ومقام ابراهيم والحرمان ارض بها نشأ النبي محمد وترعرع الاسلام في احضان ارض بها نزل الامين بوحيه من ربه لهداية الانسان ارض بها البيت العتيق وساحة خصت بخير عباد الرحمن ولقد نعمت بقربها وتمتعت نفسي بأطهر بقعة ومكان وقد تحدث الكاتب عن العرب في الجاهلية وتوسع في موضوع السدانة وهي حجابة الكعبة، والسقاية وهي سقاية الحجاج، والرفادة وهي خرج تفرض على قريش لإطعام الحجاج، والعقاب وهي لواء الحرب لقريش ودار الندوة، وهو يمثل مجلس الدولة حيث لا يعقد لواء الحرب الا به، وله اعضاء لا يدخله الا من كان في الاربعين سنة او يزيد، ولا يتزوج القرشي الا به، ولا تعقد القيادة الا به اي قيادة الجيش، وكان رئيسها يسمى صاحب المشورة وله الرأي الأرجح في الديات والغرم وفي القبة التي تضرب للحرب اي قيادات الجيش وصاحب الاعنة اي المسؤول عن الخيل والفارة اي مهمة الفر في المخابرات والمنافرات والمفاخرات.. الخ. وقريش اول من جمع بين الدين والسياسة والحرب. واول ما ذكر الكاتب عن جدة هو حسن استقبالهم بعد وصولهم بالباخرة (الكويت) وقد ذكر بالخير الوجيه رحمه الله الشيخ محمد بك الطويل ناظر الرسوم الجمركية في جدة. وقد قال فيه شعراً هو: رجل حازم وشهم جليل ومدير مدرب ونبيل حمد الناس طوله في المعالي فهو محمد وطويل كما ذكروا بالخير ايضا القائم مقام وتحدث الكاتب باستياء من تصرفات حكومته وعدم توزيع الطعام والارزاق التي كانت بالمحمل بل وعودة المحمل الى مصر بسبب سوء العلاقة بين الحكومتين ومصادرة حكومة الحجاز للنشرات التي وزعتها البعثة الطبية المصرية والتي فيها تحذير للحجاج من شرب ماء زمزم لتلوثه. وكان الاعيان من اهل الحجاز يلبسون القفطان الابيض والجبة السوداء. اما اميرهم فيلبس القفطان الابيض والجبة البيضاء. كان من اهم الرجال الاجانب حول الحكم السيد فؤاد الخطيب وهو من اصل سوري والدكتور محمد الحسيني ونديم بك، والحقيقة ان هذا الكتاب فيه الكثير مما خفي من المعلومات وكما يقول الشاعر: ستبدي لك الايام ما كنت جاهلاً ويأتيك بالأخبار من لم تزود وكما قال شاعر آخر: ومهما تكن عند امرئ من خليقة وان خالها تخفى على الناس تعلم كان المعتمد البريطاني في جدة عام 1942 هو الكولونيل وكري كما كان السيد عبدالملك بك الخطيب المعتمد السياسي لحكومة الشريف الحسين في مصر وقد عاد حسب علمي اخواه الى المملكة واصبح احدهما سفيرا والآخر في مجلس الشورى في عهد الدولة السعودية. وآل الخطيب من عوائل الحجاز الاكثر تعلما واصلهم من اشراف ينبع وقد عمل ابناؤهم في الدولة. كما عملوا في التعليم امثال السيدة الفاضلة رحمها الله لطفية الخطيب. وما اعجبني في هذا الكتاب تعرضه لبعض الامور التاريخية كأصل معنى الحج ومعنى (لفظة) الحج لفظ سامي اي يرجع في سائر اللغات السامية الى اصل واحد فهو حج في العبرانية، حوج في السريانية ومعناها دار في دائرة ومنها في العبرانية حوج دائرة او قبة السماء ويشبه حج في العبرانية ايضا عج وعاج وكلاهما يدل من حج لمعنى الدوران او الاستدارة، والمعنى عند الساميين الطواف حول المزار ثم تطور في العربية ليصبح للدلالة على القصد القدوم والزيارة. ومما لاشك فيه، وبالاطلاع على المراسلات بين الحكومة المصرية والحكومة الحجازية بخصوص البعثة الطبية والمحمل وغير ذلك ان الانجليز لعبوا دورا هاما في ايجاد الخلاف بين البلدين، وللاسف ان كلا الطرفين فقد الحكمة في التعامل مما اثر سلبا على بلديها وشعبيها. ومما لفت انتباهي في هذا الكتاب، ما ذكره الكاتب انه في جدة ميناء الحجاز دار اسمها (دار الصنعة) وهي بداخل الدائرة التي تحيط بأبنية الجمارك. في هذه الدار التي لا تبعد عن مكتب الشيخ محمد الطويل الا قليلا، وجد فيها قسم للمخارط الفولاذية ثم قسم المخارم والمقاطع فالمسبك الصاهر لإذابة الظهر وسبكه في قوالب الرمل او الخشب او الحديد وفي هذه الدار تصنع الادوات الحربية او البحرية او الصناعية. وهاذ امر لم اقرأ عنه في اي كتاب من قبل ان يكون في جدة مكان لصناعة الاسلحة وغيرها، كما كان هناك هواتف تربط بين المسؤولين ودوائر الحكومة، ومما ذكره الكاتب وجود مطبعة وجرائد كجريدة القبلة التي يديرها الشيخ محمد الساسي وجريدة اسمها الفلاح، وقد كانت الطوابع الحكومية والنقود تطبع وتضرب في مكةالمكرمة، كما كان هناك مدرسة حربية لتخريج الضباط وفيها معلمون سوريون، وقد ختم الكاتب كتابه بقصيدة بعنوان مصر والحجاز في الاسلام ومقدمتها: ان الحجاز ومصر يوم تدان اخوان بالاسلام يعتصمان فهي الكنانة وهو مهد كنانة وابوهما العربي من عدنان ثم يختمها فيقول: واجعل من العطرين خير مثابة للمسلمين بوحدة الايمان حيث السعادة قد تأرخ حكمها ان الحجاز ومصر مقصران رحم الله اهل جدة يكرمون ضيوفهم ويحسنون عملهم ولهم الاولوية في التقدم في الصناعة والاتصالات فماذا لو استمر التصنيع من عام 1924 حتى الآن لاصبحنا من زمن بعيد كما يتمنى اليوم اولي الامر في مصاف الدول المتقدمة علماً وصناعة.