كتاب "رحلة الحجاز" المؤلف: إبراهيم عبدالقادر المازني الطبعة الأولى أكتوبر سنة 1930م الموافق جمادى الأولى 1349ه المطبعة: مطبعة فؤاد بشارع عبدالحق السنباطي رقم 20 بميدان الأوبرا بمصر كم نحن في هذه المدينة "جدة" محظوظون فنحن عتبة البيت وعتبة مدينة رسول الله لا يأتي زائر لهذين المكانين المقدسين إلا ويمر بأرضنا ولا يأتي كاتب إلا ويحلو له أن يكتب عن زيارته لهذه البقاع الطاهرة. فهذا الأديب المصري المعروف ابراهيم المازني رحمه الله يأتي للحج عام 1930م ليسجل ذكرياته في كتاب اسماه رحلة الحجاز، وقد استطعت بمجهود أحد الأصدقاء الحصول على نسخة متهالكة وقد عفى عليها الدهر، وهي الطبعة الأولى التي طبعت في نفس السنة التي حج فيها الأستاذ المازني رحمه الله أي أن عمرها بلغ 79 عاماً ولحسن حظي أن محتوياتها ما زالت تقرأ، كذلك الصور التي فيها واضحة وإن اصفر ورقها وذابت اطرافها. لقد جاء الكاتب بعد دخول الملك عبدالعزيز للحجاز بأربع سنوات وقد لاحظت عليه اعجابه بالحكم السعودي الذي صور له صوراً هي لابن سعود أي الملك عبدالعزيز وولي عهده الملك سعود وللنائب على الحجاز الأمير فيصل، ولقد وصل الكاتب إلى الحجاز مع لفيف من الصحفيين المصريين وصحفيين من بلاد أخرى فقط، كان معه في هذا الحج الشاعر خير الدين الزركلي ونبيه بك العظمة من سوريا كما تعرف في رحلته على والد السيد أحمد عبدالوهاب نائب الحرم وعلى الوجيه ابراهيم أفندي شاكر وكان معه الكاتب العظيم أحمد زكي باشا رحمه الله وكان يسمى شيخ العروبة وغيرهم، وقد كان نزولهم في ميناء ينبع التي كان قائم مقامها الشيخ مصطفى الخطيب، وآل الخطيب من العوائل الينبعاوية المشهورة جدّاً، وفي ينبع ذكر الكاتب أن فيها مسجد أبو العطاء ومسجد الخضر ومسجد السنوسي ومما لم أكن أعرفه من قبل أن في ينبع كنداسة كما في جدة ولها نفس الاسم. وقد أعجب الكاتب بالأمن والأمان الذي كان سائداً في البلاد وذكر أن مما كان يباع في الدكاكين الجراد وكان يؤكل وهو ما لم يألفه الإخوة في مصر ولكننا في الحجاز كنا نصطاده ونأكله قبل أن تلجأ الحكومة لتسميمه حماية للمزارع، كان أمير ينبع عبدالعزيز بن معمر وهو شاب نجدي جميل الطلعة وسيم المحيا مقدود قد السيف "كما وصفه الكاتب"، وكان سكان ينبع البحر حسب ما ذكره المؤلف عشرة آلاف نسمة من كل حدب وصوب. وقد ذكر الكاتب أنه لا حاجز بين الراعي والرعية وسلطان الحكومة مستمد من الاحترام والحب والتعاون، وذكر أن في جدة لا يوجد فنادق وإنما ينزل الحجاج في بيوت بالإيجار أما ضيوف ا لدولة فجزء منهم ينزل في بيت الشيخ محمد نصيف رحمه الله "وذكر الكاتب أن أصل الشيخ نصيف مصري" وآخرون ينزلون في بيت الشيخ الفضل وآخرون ينزلون في منزل حسين أفندي العويني وهو حسب ما ذكر الكاتب شاب سوري الأصل نزح لجدة لأسباب قومية وأصبح من أهم تجارها وذكر أن قائم مقام جدة الشيخ عبدالله علي رضا قد بلغ التسعين من العمر، وذكر أنه تغدى لدى الشيخ محمد الطويل صاحب شركة القناعة للسيارات. ومن أجمل ما ذكر المازني أنه عندما وقف أمام قبر أمنا حواء ذرف الدمع من عينه وأحس بحنين عميق لأنه من رحمها كما أحس بالحزن أن الله لم يطل عمر جدته حواء حتى ترى حفيدها ابراهيم عبدالقادر المازني. كذلك وصف المازني الأمير فيصل بن عبدالعزيز النائب على الحجاز فقال:" والأمير في الرابعة والعشرين من عمره وهو نائب الملك في الحجاز كما أن أخاه الأكبر الأمير سعود - ولي العهد - ونائب الملك في نجد وثيابه ثوب أبيض كالجلابية المصرية فوقها سترة "جاكتة" رمادية عليها العباءة السوداء وهي رقيقة النسج شفافة وعلى رأسه "الحرام" والعقال، وهو قسيم وسيم حلو النظرة عذب الابتسامة وديع ولكن نظرته حين يصمت تبدو حزينة وفي تقوس شفتيه وذقنه مرارة لا تخلو من تصميم أما القوة فآتيها أنفه الأقنى وجبينه العريض وأغرب ما في وجهه اجتماع اللين والصلابة والرقة والقوة واختلاط ذلك كله وتسرب بعضه في بعض وهو أنطق وجه رأيته بجميع هذه المعاني غير أن المرء لا يسعه إلا أن يشعر أن هناك زاوية وراء هذا المحيا الناطق يُغيب فيها الأمير خواطره وآراءه الخاصة ويحجبها عن الأعين الفاحصة. أما بيته فقد توقعت أن يكون مظهره أفخم رياشاً وأفخر أثاثاً فإذا به يمتاز بالنظافة التامة والبساطة الكاملة أما الأبهة فقد تركها لمن شاء من شعبه". ويقول الأستاذ المازني في كتابه بأن السيد عبدالوهاب نائب الحرم وهو والد معالي السيد أحمد عبدالوهاب رئيس المراسم سابقاً قد تعلم الاستانة ويتحدث التركية والفرنسية وهو أبرع محدث وأظرف رجل عرفناه في الحجاز وهو رجل عطوف فيه رفق ورحمة ودماثة ومروءة وليس في الحجاز من لا يأنس بمجلسه ويشتهي حديثه وهو على ظرفه وفكاهته كيّس وقور ذو رأي أنضجته السن والتجارب والفكر وسددته المعرفة والاطلاع وأنا أقول بأن ابنه معالي السيد أحمد عبدالوهاب مثل أبيه ومن شابه أباه فما ظلم. والحق يقال أنني قد استمتعت بهذا الكتاب وخفة دم كاتبه وأتمنى أن تعاد طباعته فبين صفحاته تاريخ وعلم وظرف حال.