دولة اسرائيل تتجة يوما تلو الاخر نحو فضاءات اكثر عنصرية وفاشية. لا محال امام الدولة الصهيونية الا التخندق في خنادق الموت والجريمة المنظمة، وخنق كل توجه سلمي مهما كان بسيطا، وقتل الامل بالعيش المشترك بين مواطنيها. هذا الاستنتاج العلمي لا يمت بصلة لأي شكل من اشكال التطرف السياسي او نتاج اسقاطات خاصة بالمرء، والاساس العلمي الذي يتكئ عليه الاستنتاج، هو، سلسة القوانين العنصرية التي تطرح على الكنيست الاسرائيلي لتشريعها في منظومة القوانين المنظمة لحياة السكان وعلاقاتهم ببعضهم البعض، وعلاقتهم بالسلطة الرسمية السياسية والامنية وبالتالي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ومن القوانين المثيرة والمفجعة والمستهدفة الفلسطينيين العرب، الاول القانون الذي طرحه الكس ميلر، من حزب " اسرائيل بيتنا " اليميني المتطرف، والداعي الى منع الفلسطينيين من احياء يوم النكبة، والذي من المفترض ان يصوت عليه الكنيست بالقراءة التمهيدية يوم الاربعاء المقبل، بعد ان كانت اللجنة الوزارية للتحالف الحكومي اقرته. ووفق القانون فان كل من يحاول من الفلسطينيين العرب، سكان البلاد الاصليين، الذين نكبوا عام 1948 اسوة بأشقائهم الذين شردوا من بيوتهم وبياراتهم ومدنهم وقراهم الى بلدان الشتات، احياء يوم النكبة تحت اي عنوان او نشاط وحتى لو اعلن مجرد الحداد ولبس الملابس السوداء، فانه سيتعرض للسجن لمدة ثلاثة اعوام. والقانون هو، قانون " قسم الولاء " والذي يستهدف ايضا سكان البلاد الاصليين، ويطالب كل متقدم للحصول على الجنسية الاسرائيلية او استصدار بطاقة الهوية للمرة الاولى ان يوقع على تصريح الولاء لاسرائيل وينص على التالي "اني اتعهد بالولاء لدولة اسرائيل كدولة يهودية وصهيونية وديمقراطية". كما عليه ان يتعهد بالتجند للخدمة العسكرية في الجيش الاسرائيلي او الخدمة المدنية، التي تسمى ايضا ب " الخدمة الوطنية". ومن يقرأ القانونين المشار لهما انفا يلحظ التالي: اولا: اتسام القانونين بالسمة الفاشية، والتغول اكثر فأكثر نحو الغطرسة العنصرية، لأنهما يستهدفان فئة محددة من سكان الدولة، ويهدفان الى حرمان اصحاب الارض والبلاد الاصليين من مجرد التعبير عن مشاعرهم في ذكرى نكبتهم او زيارة قراهم التي هجروا منها رغما عنهم او رفعهم لشعارهم التاريخي القائل " يوم استقلالهم يوم نكبتنا". ثانيا: يتنافى القانونان مع مبادىء وقوانين المنظمة الدولية وحقوق الانسان البسيطة، التي كفلت للانسان حرية التفكير والتعبير والتظاهر والتنظيم. وتضرب عرض الحائط بركائز الديمقراطية. ثالثا: تستهدفان تعميق الهوة بين سكان الدولة الاسرائيلية، وتدمير اي أفق للتعايش بين الشرائح والفئات الاثنية والقومية المختلفة، تحت ذريعة الدفاع عن الطابع "اليهودي" للدولة الاسرائيلية. رابعا: تكشف القوانين الجديدة عن افلاس المؤسسة الرسمية الصهيونية، هذا من جانب، كما انها تكشف عن غياب اي افق لبناء دولة كل مواطنيها من جانب آخر. خامسا: تطالب الفلسطينيين سكان الدولة الاسرائيلية مقاتلة اخوانهم العرب عموما والفلسطينيين خصوصا، وهذا يتنافي مع كل تعاليم الدنيا والدين. سادسا: استخدام سوط الاعتقال لفرض القوانين الجائرة على المواطنين العرب، اصحاب البلاد الاصليين. هذه القوانين ليست مجرد ارهاب فكري، لانها لا تقتصر عند حدود املاء وجهة نظر سياسية او فكرية، بل هي خنق لهوية وثقافة مجموعة بشرية من خلال قوانين وادوات بوليسية وحرمان من حقوق المواطنة البسيطة. وبالتالي هي قوانين عنصرية تقوم على قاعدة التطهير العرقي ونفي الاخر العربي الفلسطيني، وتأخذ المجتمع الاسرائيلي نحو الهاوية الاخلاقية والسياسية والثقافية. ويعود السبب في الافلاس السياسي الاسرائيلي الى تسيد النزعة اليمينية المتطرفة داخل المجتمع الاسرائيلي، والى سقوط المجتمع الاسرائيلي في شقه الصهيوني المسيطر على مقاليد الحكم في مستنقع العنصرية واتساع تمظهر النواحي والسلوكيات الفاشية المعادية للعربي الفلسطيني كونه فلسطيني، وانتفاء اي رغبة بالتعايش مع الآخر الفلسطيني، وان وجدت بين بعض الاوساط الصهيونية ان ما يجري ممارسة الارهاب الفكري ضدها، والعمل على تكميم افواهها. وهذا يؤدي الى ضرب ركائز الديمقراطية بحدودها الدنيا، لأن الديمقراطية لا تتجزأ ولا تكون لفئة من السكان دون غيرها. المجتمع الاسرائيلي ينحدر يوما تلو الآخر نحو الفاشية، لأن المعطيات السياسية والاقتصادية والاخلاقية والقانونية والثقافية القائمة لا يمكن الا ان تنتج التعصب العرقي والسلوكيات الفاشية، الامر الذي يفرض على المجتمع الدولي وكل الاقطاب التي دعمت وتدعم اسرائيل اعادة نظر في اليات تعاملها مع قادة اسرائيل، والضغط عليهم لإرغامهم بالاجراءات والعقوبات الاقتصادية والسياسية والقانونية لإيقاف التحولات الدراماتكية العنصرية مولدة الفاشية، لأن انتقال اسرائيل الى الفاشية السافرة يهدد السلم العالمي، ويضرب التسوية السياسية من جذورها. اما الفلسطينيون فهم يعرفون مهامهم جيدا ولن يستسلموا لمشيئة قادة اسرائيل، ولن يركعوا، وسيدافعون عن انفسهم كما يليق بأصحاب الأرض الأصليين، ولن يهابوا الممارسات الفاشية الاسرائيلية مهما اتخذت من اشكال. ولكن من الضروري لفت نظر المواطن الاسرائيلي الصهيوني او اليهودي غير الصهيوني الى ان مثل هذه القوانين التي تعمل الكنيست على اقرارها انما تؤصل لتدمير اسرائيل، وتهدد المجتمع الاسرائيلي بالتفكك والانهيار، لأن انعكاساتها وتداعياتها ستضرب جذور المجتمع الاسرائيلي ولا يمكن ان تكون لصالح اليهود عموما والصهاينة خصوصا، فهل يدرك الصهاينة ابعاد ما تصنعه اياديهم وفكرهم الاسود المنغلق؟ الحياة الجديدة الفلسطينية