ندرك تمام الإدراك أن المستشفيات الأهلية وقطاع الخدمات عامة ليست جمعيات خيرية ، لكن هذا لا يمنع أن يكون فيها الخير لمجتمعها .. وهذا ما يفعله أصحاب القلوب الرحيمة الذين أوقفوا مستوصفات أوتخفيض العلاج في مستشفياتهم لمرضى الفقراء ويرجون من دعائهم خيراً . لكن المشكلة المزمنة العصية على الحل والعلاج هي استغلال القطاع الصحي الأهلي ، فمعظم المستشفيات وللأسف الكبرى منها (تسلخ ) في المريض سلخاً دون رحمة وتعتبر أن كل من جاءها " معه قرش محيره " لكن هؤلاء يدخلون المستشفيات مضطرين ، ويخرجون منها مجبرين على دفع فاتورة تصيبهم بالصدمة . أعتقد أن كل من تعامل بإرادته أو مضطراً مع مستشفيات كهذه لديه شكوى بل شكاوى، حتى الأغنياء الواحد منهم يدفع وهو يبتسم لأنه يعلم أن المستشفى يعامله حسب اسمه وحجم ثروته قبل مرضه ، ويحسبون عليه وعلى غيره من شربة الماء إلى الهواء الذي استنشقه باعتباره هواء المستشفى ، ويعدون ابتسامات وخطوات الأطباء والممرضات في غدوهم ورواحهم ، لأنهم مشوها وابتسموها في سبيله! أما متوسطو الحال والفقراء ممن أجبرهم المرض أو طارئ صحي فيصبح همهم مضاعفاً بين ألم المرضى وألم الفاتورة التي يتورطون فيها ، وإذا كتبوا له تنويماً فكان الله في العون . وكثير من هؤلاء المساكين يشعرون أنهم تورطوا ووقعوا في مصيدة ، فكثير من المرضى يظنها مسألة كشف وصرف علاج وبالكثير تحليل أو إشاعة ويرجع بيته ، لكن هيهات ، لأن العامل النفسي مهم والإنسان ضعيف أمام رأي الطبيب خاصة إذا أطلق تحذيره الشهير المعتاد ( لابد أن تكون تحت الملاحظة على الأقل 24 ساعة ) ليكتشف المسكين أن الموضوع خرج من يده وعليه أن يضع ( كام ألف ) تحت الحساب ، ويمضي يوماً واثنين وثلاثة ، ليكتشف من جديد أن الآلاف تآكلت وأصبحت في خبر كان ثمنا للوجبات والتنويم وقياس الحرارة والتحاليل ، وعليه أن يشرف الحسابات ، ويخرج بقائمة ديون وهموم الكلام يطول في هذه الأمور التي لا حسيب فيها ولا رقيب ، ولو افترضنا أن كل من وقع ضحية هذا الاستنزاف وكتب شكواه لوزارة الصحة ، سيجد مسئوليها أمامهم أطناناً من الورق لن يجدوا الأماكن .. ولو افترضنا أن هذه الوزارة المهمة قررت أن تستمع للشكاوي وجندت كافة مسئوليها وموظفيها وهم بعشرات الآلاف ليستمعوا لشكاوى المرضى من جشع المستشفيات فلن يجدوا وقتاً كافياً . سيجدون بالتأكيد مآسي وتجارة في صحة خلق الله .. فالولادات الطبيعية يقرروها قيصرية ، وهل يراجعهم أحد في قولهم ومن يتحمل المسئولية إذا تعلق الأمر بصحة الحامل والجنين .. وإذا احتاج المولود للعناية المركزة ، دخلت أسرته في حسابات من العيار الثقيل أبو أربعة وخمسة آلاف مع صباح كل يوم في المستشفى غير الأدوية وهذا موجود في بعض مستشفيات في جدة مثلما في غيرها .. والمهم لا أحد يقول لك كم سيتكلف علاجك ، وإذا ألححت في السؤال قد تسمع لغة المئات قبل أن تداهمك الحسابات.وسيستمع المسئولون في الوزارة إلى الكثير والكثير .. ولأنه من غير المنطقي أن نطالبها بأن تترك أشغالها ومهامها ويستمعون لحالات كهذه ، فأقلها أن تجد حلا على مستوى الوزارة .. والمؤكد أنها ستجده ، ولله تعدم سبل وقف هذا الاستغلال للمرضى. إن كون المستشفى كبيراً وفردهم بالأطباء والممرضات والموظفين والموظفات ، أن يجلب رواتبهم وتكاليف التشغيل وإرباح مضاعفة من المرضى ، فإذا لم يترفقوا ورحموا في تكاليف العلاج وخدماته ، فبماذا يرفقون ، أم على المريض أن يتحمل ذنبه لأنه وصل هذا المستشفى أو ذاك بقدميه وإن كان مضطراً أو في حالة طارئة . ليت هذا فقط بل أصبحت بعض مستشفياتنا الكبرى جاذبة حتى للبائعين المتجولين والبسطات للبائعات العسل والفصفص والفاكهة والجورو وألعاب الأطفال .. ولا تدري هل أنت في مستشفى أم في سوق تسالي وخضار ، ولا تدري عنها البلدية شيئاً. أما داخل المستشفى فليس بأفضل حال من صخب وازدحام وفوضى تجمعات الممرضات بألوان المكياج ولا علاقة لهن بجو المستشفى ، .. والغريب أن مستشفياتنا الخاصة الكبرى مع هذا العدد الكبير من الفنيين والتمريض لا تجد بينهم سعوديين من خريجي المعاهد الصحية ولا التمريض ، ولا حتى الإداريين ولا الاستعلامات .. فأين وزارة العمل من مستشفياتنا الأهلية. والسؤال : أين أصحاب تلك المستشفيات من الرحمة .. وهل البزنس أصبح إلى الحد الذي جعل المريض وكأنه دجاجة تبيض ذهباً ، حتى لو خرج منها ولا يملك ثمن بيض ولا دجاجة ؟! ذات يوم أردت الاطمئنان هاتفياً على مريض عزيز منوم بمستشفى خمس نجوم بجدة ولأني لا أعرف تحويلته الداخلية طلبت الصفر كالمعتاد ولكن لا حياة لمن تنادي .. وبعد عذاب رد سعادة المأمور ، وبدلاً من أن يدلني على الغرفة وجدتني أتحدث مع المطعم وبدلا من أن يسلمني للاستعلامات ويرشدوني وجدتني مع قسم الأشعة ، ولا أحد يدري ، وأدركت أن الأمور ضائعة إلا حقيقة واحدة هي جيب المريض . ** نقطة نظام : " ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء " . [email protected]