اذا كان لا بد للانسان ان يصاب بالانفلونزا فلتكن انفلونزا الطيور أو حتى الانفلونزا الاسبانية التي فتكت بالملايين في مطالع القرن الماضي ، أما اقتران هذا الوباء بالخنزير فيجعله مثيرا للفزع ، وهذا ما أحسست به شخصيا قبل ايام عندما عطست عدة مرات وكنت في مكان بعيد وموحش فلم أسمع حتى من يقول لي يرحمك الله، فالخنزير في ثقافتنا خصوصا الشعبية ارتبط اسمه بدلالات بالغة السلبية لهذا فان أي وباء يرتبط به يضاعف الخوف من الموت كي لا يكون في السيرة الذاتية للمصاب أية صلة بهذا الكائن. وهناك طرائف نذكر منها في هذا السياق ما يقوله بعض المدخنين بتندر عن اصابتهم بالامراض التي يتسبب بها التدخين ، فهي امراض طبقية ايضا ، وسعال السيجار الكوبي الذي يصل ثمنه الى خمسين دولارا ليس كسعال من يدخن «الهيشة» أو أية سجائر رخيصة ، وذات يوم كتب احد الظرفاء عن الايدز شيئا كهذا وقال ان الكارثة هي ان تكون السبب لهذا المرض امرأة قبيحة ، وبالطبع تبقى هذه التعليقات مجرد دعابات تتدرج من الأبيض البريء الى الأسود الفاحم، واذا كانت الأزمات الاقتصادية الكبرى تستدعي سابقاتها ومثيلاتها فان الأوبئة هي ايضا كذلك ، فالبشرية الان تقلب في دفاترها كي تتذكر ما فتك بها من أوبئة بدءا من الطاعون والكوليرا حتى السل واخيرا زكام الطيور وجنون البقر وانفلونزا الخنازير لكأن المقصود بهذا الاستذكار هو التخفيف من عبء المصيبة ، خصوصا وان من يتحدثون عن تلك الأوبئة يضيفون عبارة متكررة هي ان العلم قد تطور ، وان السيطرة على الفيروسات ممكنة ولو الى حد ما بعكس ما حدث في الماضي عندما كانت الشوارع تمتلىء بالجثث ولا تجد حتى من يدفنها كما حدث في بغداد عام 1947 عندما استشرى وباء الكوليرا الذي كتب عنه الكثير وان بقيت قصيدة الشاعرة الراحلة نازك الملائكة هي الوثيقة الأدبية الوجدانية عن تلك الكارثة، ولا أدري لماذا يتناسى الناس أنهم اساؤوا التعامل مع بيئاتهم وبصقوا في الآبار التي يشربون منها وقضموا أثداء امهاتهم لهذا كان العقاب على قدر الجرائم التي اقترفت ضد الطبيعة وكائناتها. وما أسماه المؤرخ ارنولد توينبي ثنائية التحدي والاستجابة وهو يتحدث عن الحضارات يصح بشكل أو بآخر على الحيوان ايضا فأقذر الحشرات اعيد اليها الاعتبار لأنها تساهم في شفاء امراض مستعصية والفطريات كانت من هذا الطراز حيث اعترف لها العلماء بالفضل في شفاء بعض الامراض الخبيثة. واذا كان النحل يقدم اللسع والعسل معا ، فهو المثال الحي لكل ما في هذا الكون فالماء اذا شحّ يميت من الظمأ واذا فاض يغرق ، والخلل البنيوي الذي يشكو منه العالم الان مرده الى تدخل الانسان الانتهاكي في معادلات الأحياء وكيمياء الوجود. لهذا فان ما يهدد العالم أبعد من أن يختزل في دراهم الوقاية وقناطير العلاج ، لان ما يحدث هو اشبه بانفجارات متوقعة لتراكمات من الانتهاك ومن قالوا ذات يوم ان البعوضة تدمي مقلة الأسد لم يكونوا من المصابين بانفلونزا العصافير أو الخنازير، الدستور الأردنية