المؤكد أن النقل الجوي من أكثر القطاعات التي تواجه تحديات كبيرة ومتسارعة مما يجعل هذه الصناعة وخدماتها أكثر حساسية من غيرها باعتبارها الأضخم والأعقد، وبين الأزمة الاقتصادية العالمية والمنافسة الشديدة، يجد قطاع النقل الجوي نفسه أمام واقع يفرض عليه المزيد من التطور في الخدمات والحوافز التسويقية، والمحافظة قدر الإمكان على عدم التراجع تحت خط الخسائر والعمل على تحقيق أرباح تشغيلية تضمن استمرارية التطور. والخطوط السعودية مثال واضح وهو الأقرب لنا. لقد اطلعت على حديث معالي المهندس خالد بن عبد الله الملحم مدير عام مؤسسة الخطوط الجوية العربية السعودية والذي نشرته عكاظ مؤخراً وتناول فيه المحاور الرئيسية لتحديات النقل الجوي وموقف الخطوط السعودية منها وما تتعرض له من خسائر فادحة بلغت أكثر من 1800 مليون ريال جراء تخلف 3,6 مليون مسافر في العام الماضي فقط رغم حجوزاتهم المؤكدة. وقد لخصها بقوله : ( لم يعد من المقبول استمرار نزيف الخسائر السنوية ) وحقيقة معه كل الحق في ذلك لمصلحة هذه المؤسسة الوطنية ومستقبلها، حيث لا تسمح الشركات الأخرى بذلك ويتحمل المسافر نتيجة تخلفه عن الرحلة، خاصة وأن سبل الإلغاء أو التأجيل للحجوزات متاحة عبر مكاتب الحجز والهاتف والإنترنت والوكلاء إذا ما اضطر المسافر لتأجيل أو إلغاء الحجز. إن ظاهرة تخلف المسافرين قديمة ومزمنة وللأسف لم ألحظ أصواتا من خارج ( السعودية ) تتضامن معها في التوعية بسلبية نتائج تخلف المسافرين عن رحلاتهم باعتباره نزيفا لاقتصاديات مؤسسة وطنية عملاقة من حقها أن تضمن مداخيلها التشغيلية. لقد أبدى البعض ملاحظات واعتراضات على الضوابط الجديدة وغرامات التخلف عن الرحلة، وطالبوا بإيضاح عن حق المسافر إذا ألغيت أو تأجلت رحلته من جانب الخطوط، وهي أسئلة مشروعة، لكن هذا يحدث في أضيق نطاق ولا تضيع التذكرة، ولا يقارن ذلك بحجم التخلف عن السفر وضياع مليارات على الشركة وأعني (السعودية) فيما حسمت الشركات الأخرى القائمة منها والجديدة ذلك حيث يتحمل المسافر نتيجة قراره عندما يتخلف عن رحلته دون إبلاغ وإشعار مسبق وبوقت كاف. كما تناول المهندس خالد الملحم في حديثه نقاطا عدة منها ما يهم المسافر وما يهم الخطوط ومنسوبيها ويهم مستقبل (السعودية) وهنا أركز على نقطتين، الأولى هي مستقبل العاملين بالخطوط السعودية على ضوء التخصيص المرحلي الذي بدأته، وقد تناول بشفافية هذه الجوانب، وجميل منه تأكيده على أن موظفي الخطوط هم أبنائها وهم ثروتها وهي لا تفرط في ثروتها من الكفاءات عقولاً وسواعد وخبرات. وفي مثل هذه الظروف أقدمت المؤسسة على خطوة موفقة بإتاحة التقاعد المبكر الاختياري وقدمت حوافز تشجيعية، وقد اختار الكثيرون ذلك ورأوا في التقاعد المبكر مصلحة لهم والتخطيط لمستقبلهم على ضوء ذلك، وقد تقاعدوا ومعهم القدرة والخبرة التي تعينهم على مستقبلهم في مواقع أو مشاريع أخرى تخصهم. ومن الجميل أيضا تأكيده لحرص الخطوط على الأعداد الزائدة من الموظفين بإعادة تأهيلهم وتدريبهم للاستفادة منهم على ضوء إعادة الهيكلة الإدارية والتشغيلية، وهذا توجه محمود بالخطوط لأسباب اقتصادية وتشغيلية باعتبار هؤلاء رصيد لثروتها البشرية من القدرات والكفاءات كما أنها مصلحة وطنية عندما تراعي الأبعاد الاجتماعية بعدم الفصل والاستغناء التعسفي بالأسلوب المتبع في الأساليب الرأسمالية المدمرة اجتماعيا حيث شعار الرأسماليين (أنا ومن بعدي الطوفان) أما العاملين الذين أفنوا من عمرهم وصحتهم الكثير فلا يهم أمرهم حتى لو أكلوا وأسرهم من خشاش الأرض وهذا ليس من الإسلام ولا مصلحة المجتمع في شيء. النقطة الثانية هي الأسعار، والذي نتمناه هو ألا تتأخر السعودية في جدولة الأسعار كل فترة خاصة وأن المنافسة شديدة وشركات جديدة في الطريق مما سيضعها أمام تحديات سعرية إذا تأخرت في التعامل معها فإنها لن تترك خيارا لعملائها الذين يعتزون بها. فرغم ضخامة تكلفة التشغيل التي لا تقارن بشركات أخرى نتمنى أن تستعيد السعودية خسائرها وفي نفس الوقت لا تخسر عملائها من جهة أخرى. شكرا على هذه الشفافية والمنهجية الإدارية السديدة والله الموفق. * حكمة: "من لا يَرحم لا يُرحم " للتواصل 6930973 02