نضجت قضية الانسحاب الإسرائيلي من الجزء اللبناني المحتل من بلدة الغجر منذ نهاية العام الماضي، وكان يفترض أن تنفذ قوات الاحتلال الاسرائيلي انسحابها في ذلك الوقت، إلا أن التأخير فرضته ظروف الداخل الاسرائيلي، من انشغال بالمعارك السياسية الداخلية والتحضير للانتخابات وإجرائها، ومن ثم تشكيل الحكومة الجديدة، وما كان ممكناً في ظل معركة انتخابية اتخاذ قرار «غير شعبي» بالنسبة للرأي العام الاسرائيلي مثل قرار الانسحاب من أي موقع سبق أن احتله جيش الاحتلال. وذكرت معلومات شبه رسمية، أنه مع اتخاذ القرار بالانسحاب وقتها، قررت ايطاليا وهي التي تتولى قيادة قوات اليونيفيل الدولية، استحضار قوة من الدرك الايطالي (كارابينييري) للانتشار في الجزء الذي سيُحرّر من الغجر، لتتولى عناصر الدرك التعاطي مع شؤون المدنيين، وهم سوريو الهوية الحقيقية إسرائيليو الجنسية حالياً، تمددوا بعد الاحتلال الى الجانب اللبناني من البلدة الذي يشكل جزءا من خراج بلدة العباسية. ذلك أن القوات العسكرية لدول اليونيفيل ترفض إشراك جيشها في أمور مدنية في ظل وضع معقد سياسيا وأمنيا واجتماعيا. وحسب المعلومات، استحضرت قوة «الكارابينييري» من روما الى لبنان وانتظرت منذ مطلع العام الجاري تنفيذ الانسحاب الإسرائيلي لتنتشر داخل الجزء المحرر من الغجر، على أن تتولى قوة اسبانية محيط البلدة، فيما طلبت الدولة اللبنانية خلال المفاوضات مع الجانب الدولي، أن يكون للجيش اللبناني نقطة مراقبة بقيادة ضابط داخل الشطر اللبناني من البلدة، تتولى مراقبة أي خرق إسرائيلي لمواجهته أو للإبلاغ عنه الى الأممالمتحدة عبر اليونيفيل. كما رفض الجانب اللبناني في المفاوضات أي علاقة مباشرة مع الاحتلال الاسرائيلي، حتى انه رفض إعطاء إسرائيل نسخة عن أي اتفاق أو وثيقة يجري التوقيع عليها بين الجانبين اللبناني والدولي، ورفض تسلم أي وثيقة مماثلة موقعة من الجانبين الدولي والإسرائيلي. وتفيد المعلومات بأنه نتيجة التأخير في تنفيذ الانسحاب الى الآن، بدأت الحكومة الايطالية تضغط على كل الأطراف لا سيما على اسرائيل، مطالبة بتنفيذ ما اتفق عليه، وإلا فإنها ستعيد قوة الدرك الى ايطاليا، ما يعني فرط الاتفاق عمليا لتعذر تنفيذه، والحاجة الى إيجاد دولة اخرى مشاركة في اليونيفيل، تستطيع إيفاد قوة عسكرية بوليسية للتعاطي مع المدنيين، وهو الأمر المتعذر، لذلك تم استعجال تنفيذ خطوة الانسحاب وقبلت به اسرائيل نتيجة الضغط الايطالي. وعلى خط موازٍ، حصل ضغط على اسرائيل من الادارة الاميركية الجديدة للانسحاب من الغجر، ليس كمجرد «هدية للرئيس فؤاد السنيورة تفيده في معركته الانتخابية»، كما روجت إسرائيل إعلاميا وسياسيا لتزيد من تعقيد الأمور الداخلية اللبنانية وتوجد بؤرة فتنة جديدة بين اللبنانيين، بل كان ضغطا أميركيا لأهداف سياسية أبعد، تقصد إحراج لبنان الرسمي والمقاوم ووضعه أمام وضعية سياسية مفادها «ان اسرائيل أكملت تنفيذ القرار 1701، وعلى لبنان تنفيذ الجزء المتعلق به منه»، وهذا يعني موضوع سلاح المقاومة مباشرة، في عودة الى جوهر الموضوع وهو نزع سلاح المقاومة بالسياسة بعد فشل الحرب في تموز 2006. وحسب المعلومات والتوقعات السياسية، فإن تنفيذ إسرائيل للانسحاب من الغجر، قد يبدأ بعد انتهاء زيارة رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو الى أميركا حيث يفترض أن يجري البحث في كل التفاصيل المتعلقة بالسياسة الاميركية الاسرائيلية المشتركة حيال لبنان والمنطقة العربية. وفي كل الاحوال، نضجت ثمرة الانسحاب من الغجر وحان قطافها، ويبقى التوقيت، أما معالجة وضع «المدنيين الاسرائيليين»، الذين احتجوا على قرار الانسحاب بسبب تضررهم من تقسيم البلدة الى شطرين، فتبقى بنظر لبنان شأن إسرائيل، التي باحتلالها للبلدة وهي سورية لبنانية، وفرض الهوية الإسرائيلية على العدد الأكبر من سكانها، خلقت مشكلة ديموغرافية سياسية اجتماعية لا تنتهي إلا بالانسحاب من كل البلدة وإعادة الجزء السوري منها الى سوريا ايضا. كما يفترض أن تفعل مع لبنان. السفير اللبنانية