النية التي تبديها اسرائيل من حين الى آخر بالانسحاب من الشطر الشمالي اللبناني من قرية الغجر، والتي تواكبها رغبة دولية بإتمام هذا الانسحاب عبّر عنها أخيراً الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، لا تعني أبداً أن تحرير هذا الشطر من القرية أصبح على الأبواب بمقدار ما أنه يستدعي من قيادة القوات الدولية في جنوب لبنان «يونيفيل» الإجابة عن مجموعة من الأسئلة أعدتها قيادة الجيش اللبناني وستطرحها اليوم في الاجتماع الدولي - اللبناني المشترك الذي يعقد في ثكنة بنوا بركات في صور. وعلمت «الحياة» ان قيادة الجيش اللبناني ستتمثل في الاجتماع بنائب رئيس الأركان للعمليات العميد الركن عبد شحيتلي ومعه مسؤول مخابرات الجيش في الجنوب العقيد علي شحرور وعدد من الضباط بينهم الرائد محمد غادر المكلف بمهمة الارتباط مع القوات الدولية في منطقة العرقوب في قضاء حاصبيا. وبحسب المعلومات، فإن ال «يونيفيل» ستتمثل بعدد من كبار الضباط الدوليين المكلفين مواكبة الاتصالات مع قيادتي الجيشين اللبناني والإسرائيلي في شأن البحث في الانسحاب الاسرائيلي من الشطر الشمالي من الغجر الذي تبلغ مساحته حوالى ثلثي مساحة القرية. وفي هذا السياق قالت مصادر لبنانية رسمية وأخرى دولية ل «الحياة» ان ضباط الفريق الدولي الذي يشارك في اجتماع اليوم كانوا شاركوا في المحادثات الأولية التي أجراها قائد «يونيفيل» الجنرال كلاوديو غراتسيانو مع قيادتي الجيشين اللبناني والإسرائيلي في اجتماعات منفردة إضافة الى انهم في أجواء المحادثات التي أجراها أخيراً في اسرائيل تيري رود لارسن المكلف من الأمين العام للأمم المتحدة متابعة تنفيذ القرار 1559 اضافة الى اللقاءات التي أجراها ممثل الأمين العام في لبنان مايكل وليامز في تنقلاته المكوكية ما بين بيروت وتل أبيب. وكشفت المصادر نفسها، أن لبنان لم يتبلغ بعد من «يونيفيل» بموعد انسحاب اسرائيل من الشطر اللبناني من الغجر وقالت ان ما يشاع بهذا الخصوص لا يزال يقتصر على رغبة اسرائيلية لم تبلغ مرحلة البحث في التفاصيل مع «يونيفيل» لتتولى بدورها مناقشة مرحلة ما بعد الانسحاب مع قيادة الجيش اللبناني التي توافي باستمرار رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري بأي جديد يطرأ على هذا الصعيد. وضع مختلف ولفتت المصادر عينها الى أن الوضع بالنسبة الى الغجر بقسميها اللبناني والسوري يختلف عن الوضع السائد في مزارع شبعا وتلال كفر شوبا المحتلة وتحديداً لجهة ان الغجر مشمولة بخط الانسحاب الدولي المعروف بالخط الأزرق الذي رسمته الأممالمتحدة بعد تحرير الجنوب في أيار (مايو) عام 2000 بخلاف المزارع التي لم تخضع للآن الى ترسيم للحدود باعتبارها منطقة مشتركة بين لبنان وسورية وهذه المسألة ما زالت عالقة على رغم ما تضمنه القرار الدولي 1701 في شأن اخضاعها في المرحلة الأولى لسلطة الأممالمتحدة في حال انسحاب اسرائيل منها على أن تتبع لاحقاً بالسيادة اللبنانية في ضوء ما سيؤول اليه الاتفاق بين الحكومتين اللبنانية والسورية بخصوص ترسيم حدودها... ورداً على سؤال، أوضحت هذه المصادر ل «الحياة» أن الاختلاف بين الغجر والمزارع يكمن في أن الأولى بقسميها اللبناني والسوري مأهولة بالسكان بينما الثانية ليست مأهولة، مشيرة أيضاً الى أن اسرائيل قضمت تباعاً الغجر وأحكمت احتلالها عليها بعد حرب حزيران (يونيو) 1967 تماماً كما فعلت بالنسبة الى المزارع وتلال كفرشوبا. وتابعت المصادر ان القسم اللبناني من الغجر لم يكن مأهولاً عندما احتلته اسرائيل وان السكان السوريين في القسم الجنوبي من البلدة بدأوا يتمددون باتجاه الأراضي اللبنانية في هذه القرية منذ عام 1981 يوم اتخذت الحكومة الإسرائيلية قرارها ضم الجولان والمرتفعات السورية وإعطاء السوريين المقيمين فيهما الجنسية الإسرائيلية. وأكدت أن عدد سكان الغجر يبلغ اليوم نحو 2500 نسمة وأن 1700 منهم يقيمون في الأراضي اللبنانية من القرية، لافتة أيضاً الى أن غالبيتهم من السوريين وبعضهم يحمل الجنسية الإسرائيلية. مشكلة سكانية لكن المصادر توقفت أمام مشكلة سكانية من الصعب توفير الحلول لها وتتعلق بأن التقسيم الأمني للقرية لا يحل المشكلة. وعزت السبب الى ان الشطر اللبناني منها لا يقطنه لبنانيون إلا إذا كان هناك من لجأ اليها من المنتمين الى ميليشيا «جيش لبنان الجنوبي» بقيادة اللواء انطوان لحد بعد فرارهم الى اسرائيل فور تحرير الجنوب عام 2000. وبكلام أوضح فإن المقيمين في الشطر الشمالي من القرية هم من الذين يحملون جنسيات سورية وفلسطينية وإسرائيلية إضافة الى مجموعة تعرف ب «عرب البدو» ممن يصنفون على خانة «مكتومي القيد» أي لا هوية لهم. ناهيك بأن معظم المقيمين في الشطر الشمالي يحملون الجنسيتين السورية والفلسطينية الى جانب الجنسية الإسرائيلية وهذا ما يحتم ايجاد حل لمشكلة هؤلاء المقيمين الذين يرفض بعضهم التخلي عن جنسيته الإسرائيلية وهذا ما كان أعلنه في أكثر من مناسبة تلازمت مع تحركه في كل مرة تعلن فيه اسرائيل نيتها الانسحاب من الشطر اللبناني من القرية. وعليه فإن تلويح اسرائيل بالانسحاب من الشطر اللبناني من الغجر وتعامل «يونيفيل» معه وكأنه قابل للتنفيذ بدأ يطرح «لغزاً» في حاجة الى تفكيك من الألغام الأمنية والسياسية. وإلا فإن لبنان و «يونيفيل» سيواجهان معاً هذه المشكلة ما لم تحصل قيادة الأخيرة من اسرائيل على أجوبة واضحة رداً على الأسئلة التي يفترض أن تثيرها قيادة الجيش اللبناني في اجتماع صور اليوم. أسئلة لبنان ومن النقاط التي باشرت قيادة الجيش اللبناني في اعدادها لتطرحها اليوم على طاولة المحادثات في صور: - ان لبنان غير ملزم بأي اتفاق مباشر مع اسرائيل في شأن الانسحاب من الشطر الشمالي من الغجر، وان الشيء الوحيد الذي يلزمه هو ما سيتوصل اليه من تفاهم مع «يونيفيل» يقوم على بنود واضحة غير قابلة للاجتهاد أو التفسير وهذا ما يحتم على الأممالمتحدة الحصول من اسرائيل على أجوبة واضحة لا تشوبها أي شائبة. - ان التقسيم الأمني والجغرافي للغجر لجهة تقاسم أراضيها بين لبنان وسورية سيواجه مشكلة سكانية تتعلق في عامل القربى بين المقيمين في الشطر الشمالي والآخرين في الجنوبي منه وبالتالي فإنها تستدعي التوصل الى تفاهم في شأن التواصل بين الأقرباء في كلا الشطرين لأن هناك صعوبة في منعهم من التلاقي. - ان الغجر بشقيها الشمالي والجنوبي تتغذى من المياه اللبنانية في مقابل تغذيتها بالتيار الكهربائي من اسرائيل فهل يمكن لهذا الوضع أن يستمر بعد تحرير قسمها الشمالي وإلا سيطلب من الأممالمتحدة توفير الحلول البديلة بهذا الشأن. - ان انسحاب اسرائيل من الشطر الشمالي من الغجر، يعني عودته الى السيادة اللبنانية لكن على مراحل تبدأ أولاً بإلحاقه بمنطقة العمليات التابعة للأمم المتحدة. إلا أن عودة السيادة اللبنانية تدريجاً الى الشطر الشمالي تطرح مجموعة من الأسئلة تتعلق بطبيعة المرحلة الانتقالية التي يفترض أن تخضع لسيطرة «يونيفيل» على أن تجيب الأخيرة عن أسئلة أخرى أبرزها: - هل من دور مدني وقضائي للسلطة اللبنانية في هذه المنطقة باعتبار أن الأمن يخضع لسلطة الأممالمتحدة؟... - هل هناك ما يمنع لبنان من أن يرفع العلم اللبناني في هذه المنطقة نظراً الى أن سيادتها المعنوية تتبع للسلطة اللبنانية المركزية؟ - ما هي طبيعة التنسيق الميداني أو العملاني بين «يونيفيل» وقيادة الجيش اللبناني وهل سيسمح للأخيرة بأن يكون لها حضور أمني سواء من خلال استحداث مخفر للجيش في البلدة أم انتشار عسكري على تخومها أم انتداب ضابط ارتباط من القيادة يتولى التنسيق اليومي مع «يونيفيل»؟ - كيف سيكون عليه الوضع في حال حصول اشكال أمني بين سكان الشطر الشمالي وإذا كان الجواب ان المرجعية فيه تعود للأمم المتحدة فمن يتولى التحقيق ومن ثم المحاكمة وما هو دور القضاء اللبناني في فض النزاعات خصوصاً إذا أدت الى سقوط ضحايا؟ - ما هو مصير ملكية العائلات اللبنانية لأراضيها في الشطر الشمالي وهل من تصور أولي لدى الأممالمتحدة لا سيما ان هناك مشكلة في تفريغها من شاغليها باعتبار أنهم أقاموا فيها منذ أوائل عام 1981 ولم تكن مشغولة من أصحابها من قبل نظراً الى أنها كانت مناطق متداخلة بين لبنان وسورية والأراضي الفلسطينية المحتلة تستخدم للتهريب بين هذه الدول؟ لذلك، فإن كل هذه الأسئلة سيطرحها اليوم وفد قيادة الجيش على ضباط من «يونيفيل» الذين سينقلونها بدورهم الى اسرائيل للوقوف على أجوبتها، مع أن أي تفاهم بخصوص الشطر الشمالي في حال تأكد الانسحاب الإسرائيلي منه سيعرض على طاولة مجلس الوزراء ليقول كلمته النهائية فيه شرط أن يكون مسودة أولى من اتفاق دولي - لبناني تتولى الأممالمتحدة التفاهم على خطوطه العريضة بكل تفاصيله مع اسرائيل. لقطع الطريق على احتمال نصب تل أبيب «فخاً» للبنان لإغراقه في الرمال المتحركة في الغجر، بينما يصرّ لبنان على اختبار النيات الإسرائيلية عبر لقاءاته مع الأممالمتحدة.