في كتابه العظيم "عشت لأروي" يقول الروائي غابرييل غارسيا ماركيز: "الحياة ليست ما يعيشه أحدنا، وإنما هي ما يتذكره، وكيف يتذكره ليرويه"، وبالنسبة لي فإن حياتي لعشر سنوات في مكةالمكرمة طالبا، ثم محاضرا في إحدى كلياتها تمثل بالنسبة لي ذروة سنام الحياة، وبهجتها، وعذوبتها، فمكةالمكرمة بأنسها وناسها تظل لؤلؤة يمتع استحضارها القلب، والعقل، والوجدان. وقد جئت إلى مكةالمكرمة ذات يوم بعيد وحيدا أطلب العلم في رحابها، وغادرتها بعد عشر سنوات ثرية بصداقات نادرة ربطتني مع الكثير من أهلها، ولم تزل ذكرى أولئك الناس تسرج القلب حنينا، وبهاء، وضياء، ومن هؤلاء الأجلاء صديقي، وأخي، وتوأم دربي الأستاذ عدنان محمد أمين كاتب، الذي جمعتني به مقاعد الدراسة في كلية التربية بمكةالمكرمة، ثم فرقتنا الدنيا لبضعة أعوام قبل أن نلتقي من جديد في الولاياتالمتحدة لندرس معا في إحدى جامعاتها، ومرة أخرى تباعد بيننا الأمكنة، ثم تجمعنا أقدارنا في مكةالمكرمة من جديد ضمن هيئة التدريس في كلية المعلمين "الكلية المتوسطة سابقا"، قبل أن يمضي كل منا في طريقه لنتباعد ثم نلتقي من جديد. في كل مرة أحاول أن أرسم صورة نفسية لذلك الصديق ينتابني شعور بائع الماء في حارة السقائين، فالرجل هو أول شخص يحمل درجة الماجستير في الإرشاد النفسي على مستوى المملكة، والخوض في ملعبه ضرب من المغامرة، لذلك لن اقترب من هذه الغاية، وسأكتفي بمحاولة فتح بعض النوافذ في صمت تواضعه، وقد سألني أحدهم ذات يوم: "كيف لعدنان أن يحقق نجاحاته المهنية والاجتماعية في ظلال غلبة صمته" ؟ فقلت: "يكثر الناس من الحديث ليتجملوا، وعدنان لا يحتاج لمثل ذلك". في المرحلة الجامعية اعتاد مجلسه في مكةالمكرمة أن يضم كل ليلة مجموعة من الناس منهم أستاذ الجامعة، والطبيب، والعالم، والأديب، والتاجر، والسائق، والعامل البسيط، وما كان لهذا الكل المتباين أن يتحد بكل جماليات المشاعر في غير مجلس عدنان، وهو بنفس روح الألفة هذه يشكل روح الفريق الذي يعمل معه في مختلف المواقع الوظيفية، فيتقاسم شعور القيادة مع الجميع، ويغدو هو جزءاً من ذلك الكل. لمساحات صبره تخوم بعيدة، ولديه قدرة هائلة في السيطرة على انفعالاته، فلا يمكن أن تجده خارج طباعه في مختلف الظروف.. رابط الجأش وهو يدافع عن أفكاره ورؤاه وتطلعاته في إطار احترام الآخر، وقد يختلف معك في إطار من التهذيب الذي لا يخدش الود، وهو صاحب رؤية خلاقة لا تقف عند تخوم الممكن والمتاح، والعنوان الذي يختصر فلسفة الرجل "ماذ بعد؟"، فهو لا يقف كثيرا عند محطة المنجز، إذ سرعان ما يغادرها إلى محطات نجاح جديدة. ومن هنا يمكن القول إنني عرفت وزاملت عدنان كاتب طالبا جامعيا، ثم طالب دراسات عليا، ثم محاضرا في إحدى الكليات، وهو اليوم رئيس مجلس إدارة مؤسسة مطوفي حجاج جنوب آسيا، وهي مؤسسة لعبت دوراً بارزاً وكبيراً مع شقيقاتها من المؤسسات في تطوير عمل الطوافة، وجعله صناعة عصرية تتوافق مع إيقاع العصر، وروح الزمن، ولم يدهشني هذا النجاح الذي تحقق لهذه المؤسسة بقيادته، ولا فريق العمل الرائع الذي أسهم في تحقيق هذا النجاح، فأنا لم أشاهد هذا الرجل في حياتي قط في غير مواقع التميز.. ولما كان الطيب يفوح طيبا فلا عجب أن يكون اليوم حول عدنان رجال أمثال الدكتور رشاد محمد حسين، وبقية الكوكبة الجميلة من أعضاء مجلس إدارة هذه المؤسسة الرائدة، والعاملين فيها. ولعدنان الأخ، والصديق، والمثال العذر إن تواضعت كلماتي عن الارتقاء إلى رسم صورته المستحقة. [email protected]