الله سبحانه وتعالى أمر بصلة الأرحام ولكن كثيرا من عباده يقطعونها، وحذر عز وجل من القطيعة وهم يصرون عليها فضعفت هذه الصلة العظيمة وتباعد الأهل والأقارب وظهرت الشحناء بين الأنساب والأصهار، وضاعت حقوق فيها الخير لو مارسوها بحق صلة الرحم. وما يرثى له أن القطيعة أصبحنا نراها داخل الأسرة الواحدة تجاه الأب والأم من الأبناء وزوجاتهم، وبدلا من التواصل على المودة والألفة والتزاور وتأدية الحقوق والواجبات، تتحول نعمة المكان الواحد والسكن المتقارب إلى سبب لقطيعة أشد. إن الواقع يشرح نفسه ويحكي لنا الكثير عما أصاب النفوس وكيف يكون لدينا كل هذا الخير كمسلمين في شرعنا الحنيف ثم يصر بعضنا على أن يتجاهلوا هذا الرباط ويعملون عكسها. فكثير من البيوت أنعم الله عليها بان تكون في مبنى واحد وكثير من الآباء والأجداد تعبوا وكدوا في الحياة من أجل أن يقيموا أبنية سكنية متعددة الأدوار والشقق ليستقر فيه أولاده وبناته وينعموا بالجوار معا لأن فيه طمأنينة وترابط.ولكن هذه النعمة تنقلب عند البعض إلى جحود ويشعلوا الخلافات وقسوة القلوب بالتحريض ضد الوالدين مع أن كل واحد في مسكنه وتسود القطيعة ويعز إلقاء السلام مع أن السلام لله وفيه الثواب والحسنات. كل هذا نراه يحدث بحق صلة الأرحام وبحق الوالدين الذين جعلهم الله سببا لوجود الأبناء ومع عظم حقهما يكون الجحود من البعض هداهم الله. ما من أحد إلا ويدرك حجم الخلافات إما يسمع بها عند البعض أو يعاني منها أو يكون طرفا فيها ، إلا من رحم ربي وأدى هذا الحق العظيم الذي جعله الحق تبارك وتعالى من أسباب قبول الأعمال وقد قال في محكم كتابه :(فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ " وقال الحبيب المصطفى صلوات الله عليه وسلم " من سره أن يبسط له في رزقه أو ينسأ له في آثره فليصل رحمه". لقد أضاع كثير من المسلمين حقوق الأرحام رغم صلواتهم وصيامهم مثلما أضاعوا واجبات وتهاونوا وتمادوا في البغضاء والشحناء فشاعت الكراهية بين النفوس، وهناك من يوغل في بغضه ويحرض على الكراهية بين الإخوة ومن تحرض زوجها على قطيعة أهله، وكثيرا ما يكون الباب بجانب الباب ولا يقتربون من الأرحام. فلماذا كل هذا العنت والتفريط في ما أمر به الله ورسوله من تواصل ورباط الإخوة لتكون الأسرة والمجتمع الواحد كالجسد الواحد يشد بعضه بعضا، بإفشاء السلام والتعامل بالمحبة والإيثار والتراحم ، ولم نعد نرى سوى الجري وراء المادة والأنانية والانشغال بها وجعلوها أهم من حقوق الرحم وزيارة الوالدين، وما يحزننا أن هذه الأجواء يورثها البعض للأبناء فيصبحوا فريسة الكراهية عندما لا يتردد على مسامعهم سوى كلمات مسمومة وقدح وذم تجاه أهل الزوج، وهؤلاء يخسرون دنياهم وآخرتهم. لقد عشنا في زمن مضى أجواء مودة وكانت الأسرة تعيش في بيت واحد تجمع الأب والأم والأبناء ومن يتزوج منهم تخصص له غرفة في نفس البيت ويكون هو وزوجته جزءا من حياة الأسرة وعاداتها ونظامها اليومي بكل رضى وسعادة، وحرصوا كباراوصغارا على هذا الرباط واحترموا التقاليد ولتزم الجميع بها، وكان من العيب كل العيب أن تفكر زوجة الابن في الاستقلال بزوجها خارج البيت ولا هو يقبل بذلك، واليوم أصبح كل واحد في مسكن خاص أو في عمارة واحدة تجمع الأهل ومع ذلك لا تهدأ المشاكل. فلماذا ومن أجل ماذا سوى أنه الوهم والسراب وعرض الدنيا الزائل وسوء الخلق. اننا نحزن كثيرا على قطع صلة الرحم، والذين يتجرأون على ذلك لا يدركون أنه دين عليهم (افعل ما شئت فكما تدين تدان) ولو تنبه كل واحد بان ما يفعله في شبابه وصغره وقوته سيحصده إثما وندما، والذي يتقي الله في أهله ويبر والديه يحصد خيرا في حياته والبر من أبنائه.لذا أتمنى أن يفيق الغافلون من غفلتهم قبل أن يحاسبوا في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. أسأله سبحانه الهداية للجميع وأن يرزقنا العفو والعافية وأن يرزقنا صلة الأرحام * حكمة: قال تعالى " وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا". للتواصل 6930973 02