الأسرى بالنسبة الى الفلسطينيين والعالم، قضية وطنية وإنسانية ، وبالنسبة الى اسرائيل، فإن لهذه القضية، بالاضافة الى جوانبها السياسية والعدوانية، جانبها الاقتصادي، حيث تخطو نحو «خصخصة» السجون التي ينفق المعتقلون الفلسطينيون خلف زنازينها نحو 70 مليون دولار سنويا، يتوقع ان تؤول الى شركات اسرائيلية خاصة. ومن خلال معطيات كشفتها مؤسسات حقوقية فلسطينية تعنى بشؤون الاسرى ال11 الفا، فإن سلطات الاحتلال قد تفتتح خلال ايام أول معتقل خاص، تديره شركة «افريكا يسرائيل»، قرب مدينة بئر السبع داخل إسرائيل، ويتسع لثمانمئة سرير. وقال الباحث في شؤون الاسرى عبد الناصر فروانة انه «بغض النظر عن طبيعة نزلائه المحتملين، فإنه جزء من تجربة جديدة تقضي بخصخصة السجون في إسرائيل كلياً». ويجري الحديث عن معتقل بمواصفات خاصة يخضع بالكامل لادارة الشركة التابعة للملياردير الإسرائيلي ليف ليفاييف. وفي العام 2004، اجاز الكنيست الاسرائيلي قانوناً يسمح ببناء وإدارة سجون «خاصة». وفي العام 2005، طرحت الحكومة الاسرائيلية أول مناقصة لخصخصة السجون، رست على شركة «افريكا يسرائيل «، وأنجزت المناقصة بعدما حصلت الشركة على الضوء الأخضر من الحكومة لتباشر في بناء معتقل خاص، قرب بئر السبع، وقد أبلغت الشركة السلطات الاسرائيلية بجهوزيتها لاستقبال سجناء فيه. وتقول مقررة لجنة الاسرى في المجلس التشريعي خالدة جرار ان «عملية الخصخصة قد بدأ العمل عليها فعليا منذ ما لا يقل عن عشر سنوات»، محذرة من ان الفترة المقبلة «ستشهد قوننة هذه المسألة لينتقل الإشراف على المعتقلات بشكل رسمي من مصلحة السجون الإسرائيلية الحكومية، إلى شركات خاصة». ويقول فروانة إن الحكومة الإسرائيلية اتخذت سلسلة إجراءات مؤخرا تؤكد أن موضوع الخصخصة قد بدأ بطريقة غير مباشرة. وأشار مثلا الى أن «ادارة سجون الاحتلال قامت بتقليص المستلزمات الاساسية التي يجب عليها توفيرها للاسرى بموجب القانون الدولي، الى اقل من 10 في المئة، مثل مواد التنظيف والطعام والكهرباء والماء والملابس الداخلية والاحذية، ومن ثم تفتح في السجون محال تجارية تبيع هذه الاشياء تقوم شركات اسرائيلية خاصة بتوريدها». وكان الاسرى في بداية السبعينات قد انتزعوا من ادارات السجون حق اقامة «كانتين» خاص يبيعهم بعض المستلزمات التي لا تتوفر في السجون، وكان يخضع لاشراف الاسرى مباشرة وبالتنسيق مع التنظيمات في الخارج، الى ان تم تحويل الاشراف عليه الى شركات اسرائيلية. ويقول فروانة ان «الحذاء يباع داخل السجن بنحو مئتي دولار، وبعض الملابس كالفانيلات، تباع بنحو مئة دولار، والملابس الداخلية تباع بخمسين دولارا». ومن جهته، قال الاسير المحرر رامي أبو معمر من قطاع غزة «ان الاحتلال ابلغ الاسرى مرة في سجن ريمون بأنه سيتم تحديد كمية الكهرباء التي يتم استهلاكها شهريا والفائض يدفعه الاسرى على حسابهم». اضاف «حتى أنهم ابلغونا بأن استدعاء الطبيب العسكري لن يكون بالمجان بعد اليوم، وإن كانوا لم ينفذوا ذلك، فإن هذا التحذير يسبق التطبيق حسب ما كان سائدا». وتصرف وزارة الاسرى الفلسطينية ما معدله 400 دولار لكل اسير، يحتاجها لشراء احتياجاته التي لا توفرها إدارة السجن ومنها ملابس، وطعام، وسجائر، وغيرها بأسعار باهظة. وفي ظل وجود ما معدله 9 آلاف أسير رسميا في سجون إسرائيل فإن المعدل الذي يدخل الى هذه السجون شهريا يبلغ 3.6 ملايين دولار أي قرابة 43 مليون دولار في السنة. يضاف الى ذلك مبالغ أخرى تصرف ل «الكانتين» من قبل السلطة الفلسطينية وتقدر حسب وزارة الاسرى والمحررين بنصف مليون دولار سنويا، الى جانب المبالغ التي يودعها الاهل وتقدر ب27 مليون دولار سنويا من دون استثناء الغرامات. والنقود التي تحول للاسرى حسب شهادات العديد منهم لا تذهب اليهم مباشرة بل تأخذها ادارة السجن التي تقوم بدورها «بتحويلها الى رصيد الكانتين حيث يأخذ الاسرى ما يحتاجون من مواد حتى استنفاد نقودهم». ويرى الاسير المحرر انس رفيق من رام الله «انت تضطر مجبرا على الشراء بالنقود التي لديك وهي لا تكاد تكفيك نظرا للاسعار الباهظة، وانت تعلم ان هذا يذهب لهم، لكن ليس هناك خيارات، انت تجعلهم يربحون منك، وكنا نعرف أنهم يربحون منا ما يزيد عن مئتين في المئة عن السعر الاساسي، فمثلا هم يبيعونك علبة السجائر من النوع الرديء بخمسة دولارات وثمنها في الخارج اقل من دولارين». القضية لا تتوقف عند هذا الحد. وتقدر مؤسسة الضمير التي تعنى بشؤون الاسرى أن «غرامات» تفرض سنويا على الاسرى تصل الى 6 ملايين دولار. فبحسب فروانة، تقوم ادارة السجون بفرض الغرامات المالية على الأسرى بشكل فردي أو جماعي، وتتراوح قيمة الغرامة بين 100 الى 700 دولار» لتصل قيمة الغرامة أحياناً على غرفة مكونة من عشرة أسرى الى سبعة آلاف دولار كما حصل مع اسرى سجن نفحة الصحراوي، حيث اكد الاسير المحرر «أبو معمر» انه «في احد الأيام نشبت أحداث بيننا وبين الإدارة وفي أحدى الغرف تمكن الأسرى من إدخال سجان إلى الغرفة والسيطرة عليه وإغلاق الباب دون أن يتعرضوا له بالضرب، وعلى أثرها فرضوا غرامة مالية على كل أسير في الغرفة بمقدار (3000 شيكل) أي 700 دولار». ومن جهتها، اعربت جرار عن خشيتها من ان ما يجري عمليا «هو تشجيع على الاسر»، فكلما زاد عدد الاسرى زاد الربح، حيث سيتاح «للشركات الخاصة التي يديرها اثرياء اليهود سرقة مزيد من الاموال الفلسطينية من خلال الضغط على الدوائر السياسية والعسكرية بجلب المزيد والمزيد من المعتقلين الى السجون الاسرائيلية». اضافت بسخرية «الاسرى يدفعون ثمن اقامتهم في السجون، ويدفعون اجرة القاضي، واجرة الحراس، وحتى السكرتيرات اللاتي يعملن على تسجيل التهم التي توجه اليهم !!». السفير اللبنانية