جاءني تعليقات على مقالي السابق "الدين والأخلاق" لأنني قلت إنهما ليسا شيئاً واحداً، فحديث "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فانكحوه"، ذكر "خلقه" إضافة إلى "دينه". ثم إنني قلت صراحة إن كلامي ليس دعوة لأن يكون المسلم بلا أخلاق، ففي الحديث "إن خياركم أحاسنكم أخلاقا". وقضية الأخلاق قضية كبيرة، فالنظام الأخلاقي في الإسلام نظام متكامل، ولو رحت أعدد عناوين الأخلاق التي اعتنى بها الإسلام لما استطعت إحصاءها، ومن ذلك: الصدق، الأمانة، الإخلاص، بر الوالدين، الوفاء، سلامة الصدر من الأحقاد، العفو والصفح، الحلم، الجود والكرم، الصبر، العفاف، الحياء، الإخاء، العزة، الرحمة، النظافة، التجمل، الإحسان إلى الزوجة، طهارة النفس، الاستقامة، الاحتشام، غض البصر، التواضع، كظم الغيظ، اجتناب سوء الظن، العدل... الخ. أشار أحد المعلقين إلى كتاب دستور الأخلاق في القرآن، وهو كتاب من حوالي ثمانمائة صفحة، كتبه مؤلفه العربي بالفرنسية خلال الحرب العالمية الثانية، كرسالة دكتوراه، حصل بموجبه على درجة دكتوراه الدولة من جامعة السوربون بُعيد الحرب، ثم تمت ترجمته إلى العربية بعد ذلك بأكثر من ربع قرن. كما أشار إلى أن الدين والأخلاق توأمان لا ينفكان، مشيراً إلى حديث "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، فالدين هو الأساس والأخلاق هي الثمرة، التي لا ينبغي قطفها قبل ينعها، حتى لا يكون المسلم سيء الخلق. وقال معلق آخر بوجود تلازم بين الدين والأخلاق، لكن هناك خط واضح، لا تدرج فيه، يفصل بين الإيمان والكفر، بينما لا يوجد خط يفصل الأخلاق عن اللاأخلاق، إنما هو تدرج في مقياس الأخلاق. وما قصدته في مقالي أنه لا ينبغي لنا أن نخرج أحداً من الملة لمجرد انحداره في سلم خُلق معيَّن، وأننا جميعا معرضون، ولو في لحظة أو موقف، لأن ننحدر في هذا السلم، لكن على المسلم أن يجاهد نفسه دوماً للارتقاء والسمو الأخلاقي. هناك فرق بين من انحدر مرة ثم عاد وارتقى، وبين من هو جالس دوماً في القاع. ولذلك نبهنا الحديث النبوي إلى أن تكرار الكذب يؤدي إلى أن يُكتب الإنسان عند الله كذّاباً، وتحري الصدق يؤدي به إلى أن يكون صدِّيقاً. وهناك أحاديث تربط بين الإيمان وبين أفعال بعينها مثل حديث "والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن! قيل: من يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه! قالوا: يا رسول الله وما بوائقه؟ قال: شره"، وواضح هنا أن هذا الإنسان متصف بالسوء على الدوام. أما حديث "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"، فيدل على ضرورة أن يتحلى المسلم بهذا الخُلق ليصبح سمة له. ويدل حديث النفاق "أربع خلالٍ من كن فيه كان منافقا خالصاً: مَن إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر. ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها" على أن هذه الصفات الذميمة صارت ديدناً لأصحابها فابتعدوا عن دائرة الإيمان. وختاماً فحديث "الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان" جدير بالتأمل والدراسة، إذ يربط الأخلاق بالإيمان ربطاً جميلاً، ويجعله يزيد بالارتقاء بها، وتفصيل ذلك في كتاب "شُعب الإيمان" المتوفر على الإنترنت. كلية الهندسة، جامعة الملك عبد العزيز [email protected]