أن يهتم الفقهاء بسد الذرائع، فيختلفون على سدها حيناً وفتحها أحياناً، فهذا من صلب عملهم واجتهادهم، فالوسائل إذا أدت إلى المحرم فعلاً أو غالباً أخذت حكمه فكانت محرمة، وإذا لم تؤد إليه إلا نادراً وهي في الأصل مباحة، بقيت على إباحتها إلا في الحالة التي أدت فيها إلى المحرم فعلاً، والذي لا شك فيه أن الوسيلة لا تحرم بمجرد أن صاحب ذهن كل عن أن يدرك الحالات التي تسد فيها الذريعة، وتلك التي تفتح فيها، كما هو حال الكثيرين اليوم، فكيف إذا كان من يسند إليه الحكم في ذلك لا علم له أصلاً بهذه القضايا الفقهية، من هؤلاء الذين أصبحوا ينصبون أنفسهم مفتين، ولم تطلب منهم الفتوى، وليسوا لها أهلاً، وحديث سد الذرائع في بلادنا أصبح هو الحديث السائد بين العامة والخاصة، بين من يعلم ومن لا يعلم، حتى قرأنا خبراً مفاده: أن وزارة الصحة أنذرت موظفات بها بالعقوبة الصارمة إن لم يلتزمن بارتداء الملابس المحتشمة شرعاً وتغطية الرأس كاملاٍ بغطاء غير شفاف وعدم لبس الذهب والإكسسوارات، رغم أنهن يعملن في مركز مخصص فقط للنساء. ومعلوم أن الحجاب يختلف في حضور الرجال عنه في حضور النساء، وكشف الشعر عند النساء ليس مما يحرم على المرأة أن تفعله، وظننت أن مثل هذا الخبر قد صيغ بصورة أريد بها الإثارة فلا أحد يقول بأن على النساء التزام حجاب شرعي كامل في مكان ليس فيه سوى النساء، لولا أن قرأت تصريحاً منسوباً للمتحدث الرسمي لوزارة الصحة يبرر ذلك ويقول: لو فتحنا المجال لكل موظفة لترتدي ما تشاء لتحول الأمر إلى مسابقات في عرض الأزياء، وبررت الوزارة عقوبتها للموظفات بأنه من باب سد الذرائع، رغم أن الموظفات دافعن عن موقفهن بأنهن يلتزمن الحجاب عند الكشف، وهن طبعاً يأتين إلى مقر عملهن متحجبات، ولم يبق للوزارة أن تقول إنها تلزم الموظفات إذا كن في موقع خال من الرجال أن يلتزمن بالحجاب الذي يرتدينه بحضرة الرجال تطبيقاً جديداً لقاعدة سد الذرائع، التي توسع فيها عندنا متسرعون يفتون قبل أن يستفتوا ويظنون أن كل مباح يمكن أن يؤدي إلى محرم، فيضيقون على الناس كل واسع، فلا يبقى في حياتهم شيء إلا وحرموه باسم أن هذا سد للذريعة، وللوزارة من الأعمال ما ينوء بها كاهلها، والمنتظر منها أن تنشغل بالمهمات لا بتطبيقات قاعدة فقهية مختلف عليها بين أهل العلم بها، فهلا التفتت إلى عملها، ذاك ما نرجوه والله ولي التوفيق. ص ب 35485 جدة 21488 فاكس 6407043 [email protected]