إنّ إحاطة عمل المرأة بالضوابط والقيود وإذا لم يرد في الشرع ما يؤيد شيئاً من ذلك، يكون لوناً من التعسف مغالى فيه، فالمرأة إذا التزمت أمر ربها بالحجاب الشرعي الوارد عبر النص الشرعي والاجتهاد الفقهي المعتبرة فلم تبد شيئاً من جسدها، حرم الله عليها إظهاره لغير المحارم، ولم يظهر منها إلا ما يظهر غالباً من وجه وكفين وظاهر قدمين، وعاملت الرجال بما لا يطمع فيها الفاسق منهم، فلا لوم عليها إن عملت في أي عمل تكون قادرة عليه ومؤهلة له، ومباشرتها البيع والشراء مباح لها لا يحرمه عليها أحد، والقول بأن أنظمة بلادنا لا تسمح للمرأة بالعمل في المحال التجارية إلا في استثناءات محدودة فيه تجنٍ ظاهر على النظام التجاري السعودي، فلعله أصلاً لم يتعرض لهذا الأمر بصورة أساسية، ذلك أن ليس في الشريعة الاسلامية ما يحد من عمل المرأة إلاّ أن يكون في ذاته عملاً محرماً أو لا تستطيعه المرأة، والنساء يختلفن في ما يستطعن عمله، فما لا تستطيعه امرأة قد تقدر عليه أخرى، وليس من الأعمال ما حدد الشرع لا يباشره إلا الرجال، وأن تحرم منه النساء سوى أمور قليلة، يثور دوماً الخلاف حولها كالقضاء والمناصب العليا في الدولة. والمرأة في بلادنا نجحت كل النجاح في الأعمال المتصلة بالطب، فتخرجت في كليات الطب والطب المساعد والمعاهد الصحية من تفوقن على زملائهن من الرجال، وها هي مستشفياتنا مليئة بالطبيبات والممرضات والفنيات من بناتنا، يثبتن أنهن الأقدر على مثل هذه الأعمال، ولا يمكن حصر عملهن في أقسام مخصوصة للنساء، ولا تواصل بينهما، إنما هو خيال لا يتحقق في واقع الحياة، بل ولم يتحقق قط ، والدعوة إليه عبث لا طائل تحته. وحينما نسمع اليوم من يقول لا نوافق على عمل المرأة في الصيدليات، وليس مخولاً لإصدار أنظمة، ولا يرأس مثلاً جهة استشارية تبعث اليها الحكومة بالأنظمة لمراجعتها، فهو يصدر في هذا من رأيه المجرد لا يؤيده نظام وضع ليمنع المرأة من هذا العمل، وهي تقوم به في المستشفيات الحكومية والخاصة، ولو كان هناك نظام يمنعها كما زعم البعض لأنه عمل تجاري لما وجدناهن يعملن في صيدليات المستشفيات الخاصة، وكل محاولة للوقوف في وجه عمل المرأة بأي حجة ظهر مآله ولا شك إلى الفشل، فمسيرة النساء في بلادنا انطلقت ولن تتوقف، وعما قريب سنجد النساء في كثير من مرافقنا الحكومية والخاصة يعملن، ذلك أن المجتمع الانساني ذو جناحين لا يمكن أن تتحقق تنميته ونهوضه إلا بهما معاً، وعندما قررنا تعليم الفتاة وفتحت لها سائر التخصصات فإننا قد وافقنا ضمنياً على أن تعمل في ما تخصصت له، واهدار كفاءات النساء بدعوى أن في اتاحة الفرصة لهن بالعمل في مجالات ما أعددن له من الأعمال نوع اختلاط بالرجال محرم، وكأن كل تواجد للرجال والنساء في مكان عام لا يتهيأ فيه لأحد منهم الخلوة بامرأة لفعل أمر محرم هو الاختلاط الذي يتحدثون عنه ويحرمونه وليس الأمر كذلك، فهلا كفوا عن هذه فلا خير فيه لهم ولا لمجتمعهم، فذاك ما نرجو والله ولي التوفيق. ص ب 35485 جدة 21488 فاكس 6407047 [email protected]