إن التطرف في الرأي والمواقف ديدن من لا يتعمق في دراسة الأمور، ومعرفة الحقائق، وإدراك الواقع، أو قل كما كان يقول سادتنا علماء الدين: من خلا ذهنه علم اتبع الهوى، وزماننا هذا الذي نعيش فيه أطبق على العقول ألوان من التطرف، ففي فهم الدين تشدد قوم وغبلوا فإذا المباح حراماً متوعداً عليه بدخول النار، والناهون عنه لم يتدبروا آية ولم يعلموا سنة، وإنما اتبعوا هوى وقلدوا جاهلاً، وسنجد لهم أمثلة جلية في المحافل والمجالس والمساجد، ولعل بعضهم قد بلغ به الأمر، وهو ينهي عن شيء من ذلك يذرف الدموع، وينتفض منه الجسد عند ذكر ما ينهي عنه، وهؤلاء ولا شك خطرهم على أنفسهم عظيم وخطرهم على المجتمع أعظم، فما انتشر مثل هذا التطرف في مجتمع إلا وابتلي بألوان من العنف خطرة، فمن آمن بباطل واعتقد أنه الحق اجتهد في أن يكره الناس على اتباعه، فإن لم ينجح في اقناعهم بما يقول سل عليهم سيف العنف. وقد رأينا هذا عياناً في ما مرّ بنا من أحداث، وفي الطرف المقابل المضاد يتطرف آخرون فإذا كل محرم مباح، وإذا كان واجب وفرض لا يأبه له، وإذا النص الشرعي الموحى به إلينا من رب العباد كنص للبشر يؤخذ منه ويترك، ثم يرى هذا التطرف فهماً للدين مبتكراً، بل ويدعي به تنويراً، وهو ينشر ظلاماً متكاثف الطبقات لا يرى من خلالها أي ضوء، وأمثلة هذا لا يحصيها الحصر اليوم، فهؤلاء لم يطلعوا قط على أي من العلوم الدينية، ولم يقرأوا كتاباً واحداً منها قط، وهم اليوم يدعون الاجتهاد في الدين، فإذا اختلفوا مع أحد أراد كبح جماح اهوائهم صبوا جام غضبهم على الدين، لا هم يحفظون للدين قيمة، ولا يحسنون التحاور مع مخالف لهم، وتطير بما تخط اقلامهم من الزور وسائل إعلام تمتهن اليوم تشويه الدين، وفي ساحة الإنترنت للصنفين جولات، في صراع ممقوت، مادته الهجاء المقذع، الذي يتناول الاشخاص بالانتقاص، ويوجه إليهم من التهم ما لا يؤيده دين ولا يرضى به عاقل، وهذا اليوم يشغلنا عن مهام يجب ألا نشتغل بسواها للنهوض بالوطن وتحقيق التقدم فيه في ظل حرية ومساواة وعدل، ولعلنا ندرك هذا فهو ما نرجو والله ولي التوفيق. ص.ب: 35485 جدة 21488 فاكس 6407043 [email protected]