إن إعجابنا بالخواجة الغربي لا حدود له، ولا يظننّ أحد أن هذا الإعجاب مقتصر على من يحلو للبعض أن يختار له لقب العلماني، ذمًا له ليتجنبه الناس بعد أن حمل اللقب بما شاء من النقائص، سواءً أكانت في العلمانية حقًا، أم هو من التجني البين، أو لقب الليبرالية هذا المصطلح الذي لم يعد أحد يدرك له في بلادنا معنى، لا ممّن يدعونه، فغالبهم لا يعلم عن ماهية الليبرالية إلا القشور، فما بالك إذن بمن يعاديه، ولم يقرأ عنه سطراً، وكلا المصطلحين في قلب الجزيرة هنا نقص يذم به صاحبه، وثوب يُلبسه المخالف لمن لا يصغى إليه، وإن كان ما يقوله هو الحق بعينه، ومن الصواب أخلصه، ذاك أن الاختلاف في هذا الجزء من العالم يفسد كل ألوان الود، ويغري بتبادل التهم حتى تلك التي يترتب عليها لو ثبتت إزهاق الأرواح كالإلحاد والردة، حتى وإن ادعى أطرافه أنهم إنما يريدون الوصول إلى الحق، وإن المختلفين اليوم في الغالب لا يرجعون عند اختلافهم إلى دليل من كتاب أو سنة أو إجماع معتبر، وإن استحضر دليلاً من الأدلة المختلف عليها لم يحسن الاستدلال به، كأن يستشهد على حرمة شيء بسد الذرائع على أمر من النادر أن يقود إلى محرم، لأن دائرة الحرام عنده تتسع حتى لا يتحرك من المباحات إلا القليل النادر، وزاد الطين بلة أن يستشهد بقول خواجة غربي يعضد به قوله، لشعوره أن ما أورده على التحريم أو المنع غير كاف، وهذا الغربي على غير دينه، وحتماً ما يأتيه من قول أو فعل ليس معتبراً في الاستشهاد على حرمة فعل أو حله، وإن استشهد به المتفتح على الآخر المختلف ديناً، الداعي إلى الأخذ منه ما يطور الحياة في بلاده فهو منه مقبول لأنه يرى أن الأخذ منه في شتى المجالات بما لا يتعارض مع دينه أو كهذا يقول، أما هذا الذي لا يرى في الغرب سوى شيطان، يراه متآمراً على الدين وأهله، ويرى أن له أتباعاً يحملهم خططاً لتغريب الحياة كلها في بلداننا المسلمة، فينقلون إلينا أسوأ ما في الغرب، هكذا هي دعواه دوماً، فكيف يستشهد بقول له أو عمل، وهو ينسى أننا من البشر وأن لنا من المساوئ الخاصة بنا، التي لم نلتفت إليها بعد، ولم نستطع حتى هذه اللحظة القضاء عليها، سواء أكانت من المظالم التي تضج منها النفوس الأبية أو كانت صورا لفساد بدأ يتسرب إلى مجتمعنا حيناً بعد آخر، أو أخطاء فادحة تقع ولا تعالج، أو مواقع قصور اكتشفت ولم يحاسب عليها، ثم هذا الذي يجري من حولنا في بعض بلداننا العربية حيث يُقتل الناس بدم بارد، وتنهك الحقوق صبح مساء، وحتماً لم يتآمر الغرب بمثل هذا، وإنما تولد عن مثل ما ذكرنا، وقسوة احتلت قلوب بعض أهلها فساقوا بعضهم الآخر إلى الموت زمراً، ولم يخشوا الله فيهم، ثم هذا الفساد الذي يفتك بكثير من الدول حولنا، ويتسرب في غفلة منا إلينا عبرها، ونحن لاهون في نقاشات لا ثمرة تحتها، فخروج المرأة للعمل لم نجد دليلاً يحرمه، أما أن من الأعمال ما لا تطيقه فهي التي تحكم بذلك، كذا ما يخالف طبيعتها، كما أن نستشهد لحرمته بأقوال أحد ممن يظن بعضنا أنهم دوماً متآمرون عليها، ويزعم بعضنا أنه دعا إلى فصل بين النساء والرجال في كل مجال، واعتبرنا قوله دليلاً يعضد أحكام بعضنا بالتحريم التي تعرو عن دليل، وبذلك نلبس الخواجة الغربي الجبة والعمة أو الثوب والغترة وجعلناه يفتينا بما يريد بعضنا من التحريم، وهذا من أغرب ما رأيناه في هذا العصر يحدث، وكم يتمنى المرء لو أن لدى المنتسبين إلى العلم الشرعي، ولدى من يختلفون معهم الإدراك بأن كثيراً مما يختلفون عليه لن ينتج ثماراً، فالمرأة مثلاً تعمل في مجالات مختلفة، وستجد من المجالات ما يستوعب الأعداد المؤهلة منهن قريباً، وحتماً لن يقمن بعمل محرم على تحريمه دليل قاطع، وسيقدن السيارات حتماً، لأنه لا دليل من الشرع محرم، وقضية التدرج عبر الضوابط والقيود منتظر في الزمن القريب، وزوال هذه الضوابط في الزمن الأبعد منتظر، والحياة في بلادنا تنحاز إلى صورة هذا التطور العصري، الذي سبقتنا إليه الأمم، وسيتواصل هذا التطور شئنا أم أبينا، فنحن لا نعيش في زمن يمكننا فيه أن نغلق الحدود، وأن نفرض على الناس لون الحياة التي نريد، والرياضة تمارسها النساء في بيوتهن وفي نواد مخصصة لهن، وستمارسها بناتنا قريباً في مدارسهن، مهما اشتدت معارضة البعض لها، ودعونا نقول إن تطور الحياة لن يوقفه أحد بخطبة أو موعظة، فهو سنة ماضية في الكون حتماً، فهل ندرك هذا..؟! هو ما أرجوه، والله ولي التوفيق. ص. ب: 35485 جدة 21488 فاكس: 6407043 [email protected]