في مصر اليوم يعرض على البرلمان مشروع قانون بشأن الإفتاء دون ترخيص رسمي، بحيث لا يفتى من العلماء إلا من رخص له بالفتوى من قبل الجهة الرسمية المخولة بالفتاوى، ويقترح القانون عقوبة للفتوى بدون إذن سجن سنة وحتى ثلاث سنوات، ويبرر المؤيدون لمشروع القانون بقولهم إن القانون يعاقب المنتحل لصفة طبيب إذا أضر بالمريض جسديّاً، فكذلك يجب أن يعاقب من ينتحل صفة المفتي لأنه يضر بروح الانسان، وقال أحدهم إنه يجب معاقبة كل من يقوم بالإفتاء دون ترخيص مسبق حتى ولو كان حاملاً لدرجة الدكتوراه، وهذه القضية تثير جدلاً لا ينتهي عبر الزمن، لان قصر الفتوى على معين أو معينين ومنع غيرهم من أن يفتوا بعلم، فيه حتماً التضييق على الخلق، مادامت الفتوى في أصلها إنما هي اجتهاد غير ملزم، فالمستفتي يتخير من المفتين من يثق به من ناحية علمه وورعه وتقواه، ولا دليل على أن المنع من الفتوى وقصرها على معين جائز في الشريعة، والدعاوى بأن ذلك فيه مصلحة للناس لأنه يردع المتلاعبين بالفتاوي لغايات غير شرعية، يرد عليها بأن ذلك يمكن تلافيه بنشر الوعي بصفات المفتي وشروط الفتوى، مع التأكيد على حرية الرأي والاجتهاد ووسائلها المشروعة، فإذا أخطأ المفتي رد عليه وبين له مواطن الخطأ في قوله وفتواه، لأن الوجه الآخر لمنع الفتوى إلا باذن أسوأ من ذلك، لأنه يمنح من اعطى حق الفتوى سلطة بقانون أن يفتي بما شاء دون أن يناقشه احد فيما أخطأ فيه ، فلا يجب ان ننسى ان قصر الفتوى على مذهب وحيد قد اضر بالناس في الماضي فعندما سيطر المعتزلة على القضاء والفتوى في زمن المأمون ومن بعده من خلفاء بني العباس ادى ذلك الى مظالم لمن لم يكن على مذهبهم ومنهجهم وعندما تحول الوضع فكان قصرالقضاء والفتوى على اصحاب منهج المحدثين وقع للمعتزلة ما أوقعوه على الناس من قبل ولا خير في هذا كله، وإنما مع حرية الرأي والاجتهاد وفق الاصول وقواعد الشريعة يُقضى على كثير من سلبيات الفتوى اذا صدرت من غير مؤهل لها، ما دام يمكن الرد عليه وبيان ما أخطأ فيه وما دام الناس لا يلزمون بفتواه وهذا سيؤدي الى سعة هي في مصلحة المكلفين، فما يضر بالناس سوى ان يكرهوا على رأي واحد وقول واحد، يصدر من مفتٍ معين او مفتين محددين، وقد يكون لهم مذهب لا يرتضيه المستفتون، او فيه تشدد يبلغ حد الغلو في الدين، فتضر بهم تلك الفتاوى وتغيب عنهم سماحة الدين ويسره لأنهم لا يجدون غير هؤلاء يستفتونهم فيكون المنع اشد ضررا مما يدعي من فوضى للفتوى ملاحظة رغم قصر الفتوى على جهات رسمية في سائر بلدان المسلمين، فهل يدرك المطالبون باشتراط الاذن الرسمي في الفتوى ذلك . هذا هو ما أرجوه والله ولي التوفيق. ص. ب 35485 جدة 21488 فاكس 6407043 [email protected]