شهد العالم العربي حدثين مهمين سيكون لهما تأثير كبير على المفاهيم السائدة في العالم العربي ، أولهما الاحتلال الأمريكي للعراق ، الذي قوبل حتى قبل حدوثه باستنكارات وتظاهرات واسعة غطت المعمورة شرقاً وغرباً ، وفي أوروبا بوجه الخصوص والولايات المتحدةالأمريكية على الأخص ، شاركت فيها شعوب الغرب باختلاف مكوناتها وشرائحها ، وشهدنا تظاهرات لمواطنين أمام البيت الأبيض الأمريكي .. وكان من بين المتظاهرين يهود أمريكيون رفعوا لافتات تدعو الى نبذ الحرب على العراق ، بالرغم من حملة الدعاية الصهيونية الواسعة النطاق بالضد من ذلك ، هذه التظاهرات تدعو الى ايقاف عجلة الحرب ، ثم بعدها تدين بشدة هذه الحرب ، وبالجرائم التي ارتكبت .. أما الحدث الثاني فهو العدوان الإسرائيلي على غزة حيث انتفض العالم برمته ضد هذا العدوان ، ومنهم اليهود الذين يفترض بهم من باب تحصيل الحاصل ان يكونوا الى جانب الدولة الصهيونية ، الا اننا شاهدنا عكس ذلك ، اذ تظاهر هؤلاء في العديد من العواصم الأوربية خاصة لندن ، حيث قام احد المواطنين اليهود بحرق (( جواز سفره الإسرائيلي )) أمام عدسات التلفزيون والصحفيين ، وصرح بأنه يدين العدوان الهمجي على غزة ، واصفاً اياه بمحرقة القرن الواحد والعشرين ، وانه إبادة جماعية للفلسطينيين ، فيما قال مواطن يهودي آخر ان دعوات إسرائيل الى السلام كاذبة وتصطدم بأفعالها على الأرض ، ذلك ان عدد المدنيين الذين قضوا الى هذه الحرب أكثر من ستمائة إنسان جلهم من النساء والأطفال ، والكثير منهم وجدوا تحت الأنقاض ، ولم يكن بين هؤلاء من يرتدي زياً عسكرياً ، ورفع المتظاهرون صور لأطفال مقطعة أوصالهم وعبارات تحتها (هل هؤلاء إرهابيون ) وإذا كان هناك ثمة من يقول أنهم أفراد خرجوا مدفوعين بدافع مشاعر إنسانية ، ولا يمثلون وجهة نظر عامة ، فنجيب ان هؤلاء خرجوا تلبية لدعوة منظمات يهودية ، غير صهيونية ، كما انهم خرجوا جنبا الى جنب مواطنين بريطانيين وغيرهم ، إضافة الى فلسطينيين ، وكذا الحال في واشنطن، رغم المطر والبرد الشديد القارص ، خرج المئات منهم منددين بجريمة إسرائيل ، والآن نتساءل .. ألم يحن الوقت كي ننظر كمثقفين وسياسيين ومفكرين وتربويين الى هذا الوضع الجديد ، واعادة النظر بمفاهيمنا المتداولة الموروثة ، اذ غالبا ما نتحدث بصفة العموم ونقول : اليهود كذا .. واليهود كيت .. ؟؟ ولا بد بعد الان ان ( نخصص )في طرحنا وتناولنا لهذا الموضوع ، ونحصر عداءنا وحكمنا للصهيونية والصورة ذاتها تنطبق على الغرب ، في رؤيته ونظرته السيئة للمسلمين ، نتيجة ممارسات القاعدة ، التي تتقاطع فيما تفعله مع كل القيم السماوية . ان الكثير من ابناء شعبنا من اليهود في العراق وسوريا والأردن ودول عربية اخرى قد رفضوا تلبية دعوات الصهيونية المستمرة بترك بلدانهم والذهاب الى إسرائيل ، ويعتزون بهويتهم الوطنية كونهم جزءاً من المجتمعات التي ولدوا وترعرعوا ونشأوا فيها ويرفضون النظر إليهم من انهم جالية .. اعتقد أنه قد آن الأوان لان نراجع خطابنا ومفاهيمنا هذه ونجعله خالياً من الإشارة الى مفهوم العداء لليهود بشكل عام ، وتحديد مفهومنا والأمر بالصهيونية ومعتنقي فكرتها العنصرية ، ثم لندع خطابنا الجديد يصل الى كل يهود العالم ، بأننا بناة لحضارة عظيمة تساهم في تأسيس عالم يخلو من الاضطهاد والعنصرية والنظرة الدونية الى الشعوب ، والأمم ، وهذا ما ينسجم مع تراثنا العربي والديني الذي يؤكد على الاحترام والتفاهم بين الأمم والشعوب ... الاتجاه الآخر العراقية