بحسب إحدى الصحف الألمانية، فقد أدى الهجوم الإسرائيلي على أسطول الحرية إلى زيادة مشاعر العداء لليهود، وهو ما دفع الجالية اليهودية في برلين لمخاطبة الشرطة والنيابة العامة في العاصمة الألمانية للتدخل لوضع حد لهذه الظاهرة. وأشارت الصحيفة إلى امتلاء صفحات عديدة على شبكة فيس بوك بعبارات تدعو لقتل اليهود مثل «اليهود الأقذار يجب إعادتهم لأفران الغاز مرة ثانية» و “اليهودي الميت هو فقط اليهودي الجيد” ولفتت إلى أن هذه العبارات وأخرى مماثلة انتشرت أيضا على نطاق واسع في مواقع ألمانية عديدة، ومنها مواقع للنازيين الجدد. من يتابع الصحف الإسرائيلية يلمس حجم الأزمة التي يعيشها الكيان الصهيوني بسبب ما تسميه حملات «نزع الشرعية» عن الكيان الصهيوني في عدد من الدول الأوروبية وغير الأوروبية، لاسيما بعد العدوان على قطاع غزة، والآن بعد العدوان على أسطول الحرية، وبينهما عملية اغتيال محمود المبحوح في دبي. كما يلمس حجم القلق الناتج عن شعور الجاليات اليهودية بأن «دولتهم الأم» قد أصبحت عبئا سياسيا وأخلاقيا عليهم. ما ينبغي أن يقال ابتداء هو أن التفريق بين الجاليات اليهودية في العالم وبين الكيان الصهيوني هو موقف سياسي حتى لا يقال إن المقاومة تستهدف أتباع دين معين، فيما الحقيقة أن المعركة هي مع الاحتلال، تماما كما أن الحرب مع الاحتلال في العراق ليست حربا مع المسيحيين في العالم. هذا الكلام لا يغير في حقيقة أن الغالبية الساحقة من اليهود في العالم هم عناصر داعمة للكيان الصهيوني، ومن كان معتدلا منهم لا يطالب سوى بالخروج من الأراضي المحتلة عام 67، من دون أن يتحدث في التفاصيل، ولو سألته عن الانسحاب من القدسالشرقية، فسيرفض دون تردد. قد تتوفر بعض الحالات الشاذة مثل جماعة ناطوري كارتا، لكن هؤلاء لا يتجاوزون المئات في العالم، وإذا تحدثنا عن عموم المخالفين أو من يسمون المعتدلين، فهم بضعة آلاف بين 13 مليون يهودي موزعين في العالم أجمع، نصفهم يعيشون في دولة الاحتلال. الآن بدأت الجاليات اليهودية في العالم تعي بأن الدولة التي كانت مصدر فخر واعتزاز لهم، قد أصبحت اليوم عبئا أخلاقيا عليهم، وما يجري في ألمانيا مجرد مثال، وهذا يدل على أن سمعة الدولة العبرية قد أصبحت في الحضيض. ما يعنينا في هذه الظاهرة هو ارتباطها بالمقاومة، ففي حين كانت مراحل التسوية هي الأفضل بالنسبة للدولة العبرية من حيث سمعتها في العالم، فإن مراحل المقاومة كانت الأسوأ على الإطلاق، ونتذكر كيف كانت أهم مراحل انتفاضة الأقصى، ومعركة مخيم جنين ربيع العام 2002 سببا في تدهور سمعة الكيان الصهيوني، حيث قال 59 من الأوروبيين إن دولة الاحتلال هي الأسوأ على السلام العالمي، تليها الولاياتالمتحدة. حدث ذلك أيضا بعد العدوان على قطاع غزة التي كانت ردا على المقاومة، في ذات الوقت الذي جاء الرد مقاومة باسلة من قبل الفلسطينيين، الأمر الذي ينطبق على عملية أسطول الحرية، التي لولا مقاومة رجالها واستشهاد عدد منهم لما كانت العملية بهذه الروعة من حيث التداعيات. كل شعوب العالم تنحاز إلى المظلوم حين يتحدى جلاده، خلافا للحال إذا استسلم، والنتيجة أن فترات المفاوضات لم تفرز لنا إلا مزيدا من الاستيطان، فيما منحت دولة الاحتلال فرصة التقدم سياسيا، وكسب المزيد من العلاقات مع دول العالم. هذا هو الفرق بين مسار المقاومة، وبين مسار التفاوض وقبول واقع الاحتلال، والمصيبة أن الكل يعلم تمام العلم أنه مسار لا يمنح الفلسطينيين أي أفق بالحصول على ما دون الحد الأدنى من حقوقهم، فيما كان مسار المقاومة ولا يزال قادرا على تحقيق الإنجازات بدليل لبنان، وبدليل فرض الانسحاب من قطاع غزة.