لقد خلق الله الناس على الفطرة ثم أخذ كل منهم مسلكه في صنفين من البشر.. رجل بر تقي وفاجر شقي هين على الله.. فمنا الصالحون.. ومنا الطالحون الذين أصبحوا وصمة عار في زماننا هذا فهم جفاة غلاظ القلوب، ليس لديهم رصيد من مروءة ولا شيء من معروف بل تجدهم يبدون الشماتة في مصائب من خانهم الحظ.. وهم أبعد ما يكونون عن الوفاء ذلك لأن الماديات قد طغت على القلوب فحجبتها عن حب الخير.. وتربعت الدنيا على النفوس فأنستهم ذكر الله، وفي ذلك يقول الشاعر: يريد المرء أن يعطى مناه ويأبى الله إلا ما أراد يقول المرء فائدتي ومالي وتقوى الله أفضل ما استفاد وأصبح الفقير هيناً والضعيف نكرة، كما يؤذون المشاعر وينكلون بالإحساس، والله بصير بالعباد.. وفي الحديث: "الآدمي بنيان الرب من هدمه ملعون"، وفي الحديث القدسي: "إذا أردتم رحمتي فارحموا خلقي". ومع ذلك فهم في غيهم سائرون، كل داء لهم داء.. ناهيك عن فحشهم وألسنتهم التي تعمل كالحربة.. فعن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يحب الفاحش المتفحش" ويقول أيضا: "إن شر الناس منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاءً لشره". وعن ذلك قال الشافعي: يخاطبني السفيه بكل قبح فأكره أن أكون له مجيبا يزيد سفاهة فأزيد حلما كعود زاده الإحراق طيبا وهم أكثر أهل الأرض شحا وبخلا "يحبون المال حبا جما" ويقول الرسول الكريم:" شر ما في الرجل جبن خالع وشح هالع" وفي الحديث أيضا: "يقول الله عز وجل انفقْ أُنفقُ عليك ولا ترد فيشتد عليك الطلب إن في السماء بابا مفتوحا فيه رزق كل امرئ بقدر نفقته أو صدقته ونيته، فمن قلل قلل الله له ومن كثر كثر الله له" وعنه: "لا يجتمع بخل وإيمان في قلب واحد"، ويتعفف الناس عن التقرب منهم فيصف الشاعر ذلك بالآتي: لقلع ضرس وضرب حبس ونزع نفس ورد أمس وقر برد وقود فرد ودبغ جلد بغير شمس وأكل ضب وصيد دب وصرف حب بأرض خرس ونفخ نار وحمل عار وبيع دار بربع فلس وبيع خف وعدم إلف وضرب إلف بحبل قلس أهون من وقفة الحر يرجو نوالا بباب نحس كما يصف الشاعر ابتعاد الناس عنهم: كن ساكنا في الزمان بسيره وعن الورى كن راهبا في ديره واغسل يديك من الزمان وأهله واحذر مودتهم تنل من خيره إني اطلعت فلم أجد لي صاحبا أصحبه في الدهر ولا في غيره فتركت أسفلهم لكثرة شره وتركت أعلاهم لقلة خيره أما الصالحون فهم الذين يمشون في حاجة الناس ولا يستبطئون.. سعيا منهم في الأجر والمثوبة. ويقول الرسول الكريم: "من مشى في حاجة أخيه فكأنما اعتكف في مسجدي هذا عشر سنين واعتكاف يوم واحد في مسجدي يباعد الله فيه عنه النار ثلاثة خنادق كل خندق أبعد ما بين السماء والأرض". ولما كان ابن جدعان ولع بالسخاء والعطاء ولا يتردد في إغاثة الناس وبرهم دون الحاجة إلى سؤال منهم فقد أنشد فيه ابن أبي الصلت من أروع ما قيل: أأذكر حاجتي أم كفاني حياؤك إن شيمتك الحياء لو أثنى عليك المرءُ يوما كفاه من تعرضه الثناء واليد العليا خير من اليد السفلى.. فالناس تشكر الله تعالى إذا ما كان هم أهل العطاء وليس هم الطالبون له: وأفضل الناس في الورى رجل تقضى على يديه للناس حاجات لا تمنعن يد المعروف عن أحد ما دمت مقتدرا فالسعد تارات وأشكر فضائل الله إذا جعلت إليك لا عند الناس حاجات وعن الزهد في الدنيا قالوا: إذا جادت عليك الدنيا فجد بها على الناس واعلم أنها تتقلبُ فلا الجود يفنيها إذا هي أقبلت ولا البخل يبقيها إذا هي تذهبُ وفي الحديث القدسي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حوسب رجل ممن كان قبلكم، فلم يوجد له من الخير شيء، إلا أنه كان يخالط الناس، وكان موسراً، فكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسر، قال: قال الله: نحن أحق بذلك منك، تجاوزوا عنه". ومضة: يارب إن هناك قوما ظالمين قد غرهم حلمك واستبطأوا آخرتك فخذهم ببعض ذنوبهم أخذ عزيز مقتدر.