أبادر من اللحظة الأولى أن أعلن اني لا أدعو للقمار الذي تحاربه وتنهي عنه كل الأديان ويسبب الكوارث في البيوت، ويهدم الأسر ويشرد الأطفال، القمار بكل أصنافه، على مائدة خضراء في بيت أو مضاربة في بورصة البوشي، للعلم، أنا أكره القمار والمقامرين واعترف بفضل الله أني لا أدخن ولا أقامر ولم أحاول التجربة، ولكني في المقال الذي تحت بصركم وبصيرتكم، أمجد قيمة الصلابة في الحياة، وبصراحة، أنا أحارب هشاشة الذات من داخل صدفة النفس، لابد من اخفاء ضعفك بوجه مقامر، وجه أملس ناعم، وعيون زجاجية ليس فيها رفة جفن، أو نبضة رمش، فما عادت الحياة رومانسية ولا عدنا نعيش في زمن زراعي تغني فيه ليلى مراد (الحب جميل) ولا تشدو فيه أم كلثون (عزة جمالك فين)، ولا يغني فيه عبدالوهاب (محلاها عيشة الفلاح)، ما عاد هذا زمان (كتر خيرك) عندما نشكر ولا زمن (حسك في الدنيا) عندما نتمنى طول العمر لأحبائنا. يلتقط الناس عيوبك وينسجون منها حبلا يشنقونك به، ومن ثقوب نقاط ضعفك يتسللون ويتربعون، علمت ابنتي مرهفة الاحساس ألا يرق قلبها لرجل يزحف على الأرض بين السيارات في إشارات المرور يستجدي الناس، وحينما رآني رجل أذكره جيدا باحترام اسمه اللواء محمود وجدي حين كان مديرا لمباحث العاصمة، حيث ذهبت احقق بالعدسات أمور البلطجة بالسنج وبلطجة الاتجار بالعاهات، فالرجل المقطوع الرجل أي القدم يتفنن في اخفائها، والمرأة الكفيفة حاملة طفلها ترى أوضح مني ومنك! وربما كان هؤلاء يستغلون رحمتك بوسائل غير مشروعة، ولكن الكارثة في الذين تمنحهم ثقتك المطلقة فيخدعونك نهارا جهارا، لابد من وقف العواطف الجياشة في هذا الزمن، فهذا أوان تقنين المشاعر، ومن المهم تصويب الأحاسيس للهدف الصحيح، أما بعثرة المشاعر بلا حساب والثقة الزائدة في البشر بلا حساب فهذه هي الغفلة بعينها أو الطمأنينة الكاذبة بنصها وروحها، لم يأت بعد ذلك الزمان الذي تصبح فيه أدوات الحرب الفتاكة في المتاحف، نحن مازلنا هائمين في وادي الخلاص وأغلب الصداقات اكذوبة تحكمها المصالح، ذهب ذلك العصر الذي كانت فيه الصداقة هي (البكاء بعيون الآخرين)، هذا زمان يصعب فيه التمييز بين العدو والصديق، كلها ابتسامات وأحضان تفتقر إلى تحليلات المعامل لتثبت صدقها، من الممكن أن يتخفى عدوك في ثياب صديق فتجامله بعذوبة وسلامة نية ونقاء قلب، هنا أتوقف عند (النية) وأطلب لها المناعة. إن ضعف المناعة في النية يعرضها لصدامات لا أول لها ولا آخر، وقد صرنا نصف فلانا بأنه (على نياته)، أي انه ليس فطنا ومعرفته بالدنيا محدودة، والمناعة في النية تجعلك تميز بين الخير المضروب والشر المغلف بسلوفان. إن أهمية أن تتمتع بوجه مقامر، تكمن في فهمك العميق لمن حولك فلا تنخدع بسهولة في كلام معسول، ولا في تحريض مبطن وبصراحة أكثر لا تكشف كل أوراقك، وجه المقامر مطلوب في السياسة ومطلوب بشدة في الدبلوماسية، ومطلوب في الحياة، وأنا لا أرمي بذور الشك في البشر كأنثى العقرب ولكني آخد حذري، سمعت مرة من المهندس سيد كريم وهو في سن التسعين يقول (توقع الغدر من أقرب الناس إليك ولو بنسبة5%)، وكان المفكر القانوني جمال العطيفي يقول (لا تعطي لأصدقائك فرص النيل منك)، العطيفي لم يقل لا تعط لأعدائك! والمفكر مصطفى محمود شفاه الله يرى أن (الشك جسر لليقين)، وقد سمعت الدكتور النبوي المهندس يقول وأنا شاب بعد قليلا من الحيطة تقلل وقع الصدمة، ولا أنسى نصيحة الحكيم د. مصطفى خليل اختبر دائما معدن من تعامل، ويستطرد ضاحكا (فيه براني كتير)، نعم الوفاء كالديناصور، كلاهما انقرض، ولكل إنسان (أجندة)، فلا تتطوع مختارا للكشف عن أجندتك الا لمن يستحق، الحياة العصرية تفرض عليك أن تعرف ما تريد دون أن يبدو عليك ذلك، قد تعتصرك الأحزان، ولكن كما يقول شاعرنا أحمد عبدالمعطي حجازي (استجمع أحزانك واضرب.. استنهض قلبك في يدك.. وصوب.. اضرب). تلاحظون، أن كلمة (الأخلاق) أو (القيم) لم تأت على سن قلمي ليس انكارا لوجودها، ولكن اعترافا بتقلص مساحتها، في جيلي كان يقال عن عريس شاب (عنده أخلاق) واليوم يقال (عنده شقة وعربية)، في جيلي يقال عن عيلة (ناس تعرف الأصول) واليوم يقال عن عيلة (تعرف أصول اللعبة)، من هنا، أدوس على قلبي، لو كان السبب في صدمات الحياة، وأبدو قويا في مجتمع لا يعترف إلا بالأقوياء. كان كاتب المسرح المتفرد سعدالدين وهبة يقول لي في حوار اذاعي (ابتسم في وجه عدوك، ربما كانت ابتسامتك سكة السلامة)، وكان للداهية السياسي كيسنجر عبارة شهيرة (اقرأ أي نص بالعكس فربما كان هذا حقيقة النص)، إن اقامتك الجبرية الأخلاقية في خندق حسن النية مرفوض في زمن العولمة، وزمن التكنولوجيا، حين يدينك قلم حبر له خاصية التسجيل صوت وصورة، لست أطلب صمت الرماد ولكني أطلب صمت المعرفة الخلاقة في الحياة والعمل، لن تضطر للنفاق انما لشئ من المجاملة وهي من أبجديات الحياة، لن تضطر لمصارحة الآخر برأيك فيه، إنما الاحتفاظ بهذا الرأي بين ضلوعك، وحين تتمتع بوجه مقامر لن تغضب، فالغضب المعلن نقطة ضعف، وتسهل أخطاؤك ويسهل اصطيادك حتى لو كنت صاحب حق، وكان يوسف إدريس يردد (الأعمار بيد الله ولكن أصحاب القلوب الدائمة النبض يسرعون الخطى نحو القبر)، ذلك أن من يعرف يحزن ومن لا يعرف يحزن أكثر، اننا ندور في ساقية الحياة، مغمضو العيون والعقول، نجر أثقالنا أمامنا وخلفنا، يغزونا الغضب، وترجمنا التقاليد ويدوسنا الزحام ويصبح التنفس عزيزا والفرح شحيحا، والمرارة تتراكم على جدران نفوسنا ونتطلع إلى الأمل ولو كان سرابا، ولكن مثلما تحتفظ بسرية بطاقتك الائتمانية، احرص على سريةPassword)) المدخل الى عالمك. الإهرام المصرية